لا شكّ في أنّ عام 2013، كان عاماً سيئاً جداً على العالم العربي وقد يكون الأسوأ منذ حقبة الاستقلال منذ نصف قرن. فقد تمّ التخلي عن الآمال في مستقبل أفضل نتيجة الانتفاضات فيما شهد عدد كبير من المجتمعات انقسامات عميقة ازدادت سوءاً جرّاء الحروب الطائفية الداخلية الضروس التي احتدمت في معظم أنحاء الهلال الخصيب. برزت أنظمة ديكتاتورية جديدة وازدهر التطرّف فيما، كالعادة، واجه الأشخاص في الوسط معاناة وتهجيراً وتدميراً لأملاكهم وفي بعض الحالات مجاعة حقيقية، الأمر الذي خلّف جيلاً كاملاً من الأولاد الذين أصيبوا بأذى كبير والذين لم يتلقوا تحصيلاً علمياً جيّداً، إلى حدّ أنّ شكوكاً حقيقية تراود البعض حيال مستقبل الحكومة والإدارة الجيّدة للدول. كيف حصل ذلك كلّه ولماذا؟ سارع البعض إلى إلقاء اللوم على العناصر التي يشتبه فيها دائماً، أي الطائفية والتدخّل الخارجي وانسحاب الولايات المتحدّة وحتى معاهدة سايكس-بيكو التي قسّمت الجزء الشرقي من العالم العربي. فيما يشعر آخرون بالإرباك وبالضياع وبقلق متزايد من أن يكون عام 2014 أسوأ. أما إجابتي عن هذا السؤال، فهي ان على رغم أنّ الطائفية والتدخّل الخارجي كان لهما دور جزئي في ذلك، إلا أنهما يعتبران جزءاً من العملية التي، نتيجة تراكم الآمال والشكاوى ضد الحكومات القائمة، دفعت الشعوب العربية إلى الانتفاض في الساحات العامة وإلى إطلاق مجموعة من المطالب والرغبات الأولية المرتبطة بكل المسائل بدءاً من العدالة الاجتماعية وصولاً إلى إعادة تحديد هوياتهم الخاصة على صعيد دينهم ومذهبهم وحقوقهم ورغبتهم في التحكّم بمستقبلهم الخاص. كما شهدنا لحظات دستورية متعدّدة، سعى خلالها ممثلو الشعب، على مدى فترة طويلة من النقاش المضطرب، إلى مناقشة هذه المسائل في شكل مطوّل في إطار وثيقة مصمّمة لتقديم إطار عمل لنظام سياسي جديد يحظى بشرعية شعبية. ومن الطبيعي أن يكون البعض قد سعى إلى السيطرة على النقاش على صعيد اللغة المستخدمة والاتجاه الذي يجب أن يسلكه التحرّك الشعبي إلى جانب الوعود والانتخابات والاستفتاءات التي تشكّل جزءاً من العملية برمّتها. لكن، حين تصبح اللغة السياسية محتدمة ومحمّلة بلغة الجيد والسيئ أو الصح والخطأ، فسيكون صعباً إيجاد قاسم مشترك، لا سيّما في دول مثل مصر وتونس حيث تمّ انتخاب الأحزاب الدينية في الحكومة ومن ثمّ بدت غائبة بسبب عدم قدرتها على معالجة المسائل الاقتصادية الأساسية ناهيك عن افتقارها إلى الكفاءات الإدارية. وما يجعل الأمور بالغة التعقيد، هو انهيار بنى الدولة المركزية وبالتالي القدرة على أداء المهمات الروتينية القاضية بمراقبة الحدود وتفادي بروز الميليشيات التي تتنافس في ما بينها بعد انهيار الانظمة التي كانت قائمة في سورية والعراق وليبيا، بهدف السيطرة على أجزاء من أراضيها الوطنية، ما يجبر شرائح من السكان على السعي إلى الحماية من خلال إنشاء اتحادات جديدة قائمة على مجتمعات تحظى بثقة وأحياناً مسلحة وتديرها العناصر الطائفية والإثنية والدينية من الخارج، فضلاً عن إنشاء مصالح جديدة عبر الحدود لشعب يشارك في تهريب الأسلحة والمخدرات واللاجئين. حصلت أمور كثيرة عام 2013. ففي ضوء هذا التحليل، ما الذي يمكن توقّعه لعام 2014؟ بهدف تبسيط التحليل، سأركّز على ثلاث مجموعات من الدول العربية، بدءاً بالدول التي تملك حدوداً طويلة ومخترقة مثل العراق وسورية ولبنان وليبيا. ما من سبب يدعو إلى الافتراض بأنّ الوضع سيتحسّن في هذه الدول، وقد يزداد سوءاً بسبب عجز الأنظمة، إما عن توزيع موارد الدولة في شكل فاعل أو فقدان السيطرة عليها لمصلحة مراكز القوة الأخرى. لكنّ التوقعات تبدو أفضل بالنسبة إلى مجموعة ثانية من الدول مثل الجزائر والأردن والمغرب التي خبرت شعوبها ما يكفي من النضالات الشبيهة بالحرب الأهلية في الماضي، إلى حدّ أنها لم تعد ترغب في دفع مطالبها وشكواها إلى حدّ بعيد وتعتمد بدلاً من ذلك على وجود الأحزاب أو على الوسائل غير الرسمية مثل الاعتصامات والاحتجاجات من أجل إيصال صوتها. وتضمّ المجموعة الثالثة الدولتين اللتين انطلقت الانتفاضة منهما، أي تونس ومصر، حيث يجرى العمل على إنشاء نظام جديد وحيث ثمة فرصة ضئيلة بإمكان تفادي النزاع من خلال اعتماد سياسات تُشرك كل العناصر التي تشكّل جزءاً من المجتمع الوطني المتجانس نسبياً. وفي تونس، ثمة بارقة أمل، فيما يغيب ذلك في مصر بسبب اعتبار النظام خصومه إرهابيين وتابعين لجهات خارجية. لكن هذا لا يعني أنّ العالم العربي يحتكر الانقسام السياسي والشخصي. إذ يمكن إيجاد انقسامات مماثلة وتسمية الأشياء بأسمائها في تركيا المجاورة وفي أنحاء من أوروبا والولايات المتحدّة وللأسباب نفسها. وكان أحد أهمّ التأثيرات التي خلّفتها العولمة والتقدّم التقني، تذرير أو تشخيص الإجابة عن الأحداث الأساسية التي يبدو أنها خلّفت وقعاً مستقطباً وعالمياً إلى جانب العودة إلى استخدام لغة دينية. والحقيقة هي أنّ بعض الشعوب كانت موجودة في أمكنة في شكل فاعل أكثر من العالم العربي بعد انتفاضات عام 2011 وشاركت بفاعلية أكبر في محاولة تكوين مستقبلها. وليس مفاجئاً أن يلجأ البعض إلى اختيار الاستقرار وتفضيله على الفوضى والإرباك. فيما يعدّ إقناع البعض نفسه، كما يفعل الفريق السيسي، بأنه خيار شعبه، وجهاً مؤسفاً للعملية برمّتها. * اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد