لن أذهب إلى مونترو لحضور افتتاح المؤتمر السوري، ولا إلى قصر الأمم، مقرّ الأممالمتحدة الرئيس في جنيف للمشاركة في النقاشات التي ستلي افتتاح هذا المؤتمر، ليس بسبب عدم اكتراثي لمصير سورية، فإنني أهتمّ بهذا الموضوع على الصعيدين المهني والشخصي، ولا بسبب صعوبة الوصول إلى المكان المذكور أو تكاليف السفر الباهظة إلى سويسرا؛ إذ إنّ منزلي يبعد من مونترو مسافة ساعة بالقطار. وللوصول إلى قصر الأمم، ليس عليّ إلا أن أستقلّ أحد القطارات، فأنا أعيش في جنيف. السبب الوحيد الذي يقف وراء عدم رغبتي بحضور المؤتمر هو ببساطة أنني لا أتوقّع أن يخلص هذا اللقاء إلى نتائج مهمّة. لن أذهب إلى مونترو لأنّ بشّار الأسد، الرئيس السوري، وشقيقه ماهر الأسد، لن يكونا حاضرين. ويؤدّي أعضاء الوفد الذي يمثّل الطرف السوري الرسمي دور المراسلين، علماً أنّهم لا يتمتّعون بصلاحية صناعة القرارات. كما لا يمكنهم إجراء نقاشات في شأن تطبيق أي مبادئ، أو اتّخاذ قرارات حول تقديم بعض التنازلات الأساسية. وتشتمل المعارضة على رجال سياسة يتفاخرون بأنفسهم أمام كاميرات التلفزيون، علماً أنّهم لا يؤثّرون في شكل كبير في الجماعات المقاتلة في صفوف المعارضة، ولا يتمتّعون بصلاحية صناعة القرارات، كما أنّهم يعجزون عن تأدية دور المراسلين. وفي حال نجحوا في إجراء النقاشات مع ممثلّي النظام، ستتّهمهم الجماعات المقاتلة في المعارضة بالخيانة، وببيع دم الشهداء مقابل حفنة من الذهب. ويُشار إلى أنّ كلّ ذلك لن يشكّل أي فارق كبير، لأنّه على أي حال لا تجرؤ الشخصيات السياسية في أوساط المعارضة على الدخول إلى سورية، أو إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو إلى الأراضي التي يستولي عليها المقاتلون في المعارضة. وحتّى لو نجحت القيادات السياسية التابعة للطرفين في التوصّل إلى اتّفاق سياسيّ، لا يمكنني أن أتخيّل كيف ستنجح في التفريق بين الأطراف المتنازعة. ومن المعروف أنّ المعارضة لا تتمتّع بقيادة وسيطرة مركزيّتين. وحتّى أهمّ كتائب اللواء في البلاد، تشتمل في الحقيقة على مجموعة من الأشخاص المتنازعين في ما بينهم، والمؤلّفة من أفراد محليين، بالكاد تجمعهم الأموال ومصادر التسلّح المركزيّة. وما يوحدّهم هو كراهيّتهم للنظام، أو خوفهم منه. أمّا خريطة تشكيلات المقاتلين من المعارضة التي تتغيّر باستمرار، فتسلّط الضوء على النقص في التنظيم. وإن وافق جزء من الجماعات المقاتلة في صفوف المعارضة على التوصّل إلى اتفاق سياسيّ، سيتّهمه آخرون حتماً بالخيانة، اعتقاداً منهم بأنّه مهما كان الحلّ السياسي الذي سيتوصّلون إليه، لن يكون كفيلاً بتبرير التضحيات التي سبق أن قدّموها. ومن شأن كلّ عمل من أعمال العنف التي ستنشب بعد الإعلان عن نتائج مؤتمر «جنيف 2» أن يكون ذريعة لهؤلاء المتطرّفين. والجدير ذكره أنّ النظام يتميّز بتركيبته الصارمة من حيث القيادة والسيطرة، وعلى رأسها الرئيس. إلا أنّ لديّ شكوكاً حول قدرة هذا النظام على إصدار أمر يقضي بإبعاد المقاتلين عن خطوط الجبهة، وعودتهم أدراجهم. وها إنّ معضلة الأمن تتفاقم، والخوف يزداد. إذاً، يتعذّر حتّى على النظام في هذه المرحلة أن يضع حدّاً للحرب. ولا شكّ في أنّ الأميركيين والروس، هم الذين يشدّدون على الحاجة إلى التوصّل إلى حلّ سياسيّ في جنيف، على عكس الأطراف السورية المتنازعة، ليس بسبب رغبتهم في وضع حدّ للمأساة المستمرّة في سورية، فهم ليسوا ساذجين إلى هذا الحدّ، بل ببساطة بغية أن يجاهروا ببذلهم أقصى جهودهم كديبلوماسيين متحضّرين لوضع حدّ لحرب همجيّة. وبعد ذلك، يتبرّأون من فعلتهم ويتّهمون السوريين بالتسبّب بأي فشل محتمل. إلى ذلك، تشوب الاتفاق الأميركي- الروسي حول مستقبل سورية شائبة صغيرة، ألا وهي عدم اتّفاق الطرفين على ما إذا كان بقاء بشّار الأسد هو المشكلة أو الحلّ. وفي حين تصرّ واشنطن على ضرورة تنحية الأسد عن الحكم، وإعطاء «حكومة انتقالية» افتراضيّة إمكانية السيطرة الفعلية، تصرّ موسكو على أنّ هدف المؤتمر هو «محاربة الإرهاب»، وتواصل تزويد جيش الأسد بالأسلحة. ولا بدّ من القول إنّ القوى العظمى تشهد انقسامات داخلية، شبيهة بالانقسامات بين السوريين. على أي حال، بعد أسابيع قليلة على مرور مؤتمر «جنيف 2»، سيكون بوتين منهمكاً بأحداث عدّة، كألعاب «سوتشي» الأولمبية الشتوية، والإرهاب المنتشر شمال القوقاز، إضافة إلى الوضع في أوكرانيا. وسيركّز أوباما جهوده على سحب قوّاته من أفغانستان، وعلى التعامل مع فضيحة التجسس التي طاولت «وكالة الأمن القومي»، وكيفيّة السيطرة على موازنة الدولة. إذاً، سيتذرّع كلاهما بحجج كافية للتهرّب من إيجاد حلّ للأزمة السورية. بهدف التوصّل إلى حلّ سياسيّ جدّي، ينبغي أن تكون الأطراف المتنازعة مستعدّة لتقديم تنازلات سياسيّة. غير أنّها لا تبدي أي استعداد للتنازل في هذه المرحلة، إشارةً إلى أنّ الأطراف المذكورة تسعى للانتصار من خلال تدمير خصومها. وقد ينجح مؤتمر «جنيف 2» في أفضل الأحوال، في تأمين الإغاثة للأشخاص الذين لا يزالون تحت الحصار منذ أشهر عدة، والمباشرة في تبادل الأسرى، والتوصّل في نهاية الأمر إلى وقف إطلاق نار، وذلك قبل أن يندلع القتال مرّة أخرى.