استيقظ سكان بيروت الأحد على مشهد جديد لم يعتادوه من قبل، نفايات مكدّسة على الطرقات، في المستوعبات وحولها في منظر يشبه إلى حد كبير مشهد النفايات المتراكمة في نابولي الإيطالية، ولكن مع اختلاف السبب. ففي حين كانت المافيات مسؤولة عن الكارثة البيئية في المدينة الإيطالية، يعود سبب تكدّس النفايات في بيروت إلى حملة لإغلاق مطمر النفايات في مدينة الناعمة والذي بدأ يشكّل خطراً بيئياً كبيراً. يومان على إغلاق الطريق إلى المطمر من قبل الأهالي في إطار حملة "إقفال مطمر الناعمة"، كانا كافيين لتتكدّس النفايات في مستوعبات شركة "سوكلين" المسؤولة عن جمع نفايات بيروت وجبل لبنان، وحولها، ما دفع الشركة إلى رش المبيدات والكلس على النفايات المتراكمة في محاولة يائسة لمنع انتشار الحشرات والجراثيم. يريد أهالي الناعمة الذين يعانون من الروائح الكريهة والتلوث الناجم عن وجود المطمّر في مدينتهم، أن يعاني اللبنانيون في بيروت بعضاً مما عانوه منذ بدء العمل بمطمر الناعمة عام 1997 ويعوّلون على أن يثير ذلك حالة تململ تزيد الضغط على المسؤولين لإقفال مطمر الناعمة والتحوّل إلى تطبيق خطة قديمة تعود إلى عام 2006 وتقضي بمعالجة النفايات في المقالع القديمة بطرق بيئية. وحال الاعتصام المفتوح أمام المطمر وإغلاق الطريق المؤدية إليه دون وصول شاحنات "سوكلين" التي تنقل النفايات لطمرها وهو ما دفع الشركة الجمعة إلى إصدار بيان تعتذر فيه من المواطنين عن اضطرارها إلى عدم جمع نفاياتهم و"عن أيّ إزعاج قد يسبّبه هذا التوقف القسري الخارج عن إرادتها". وأضافت أنّ "مجلس الإنماء والإعمار والجهات المختصة تبحث في حلول بديلة للمشكلة القائمة، إذ إنّ تأمين المكان المخصّص للطمر هو من مسؤولية الدولة اللبنانية، وبالتالي فإنّ الشركة لا تعتبر نفسها معنية بهذا الاعتصام، إذ ليست هي الجهة المخوّلة تحديد مكان الطمر". وتمنّت الشركة على المواطنين إحكام إقفال أكياس النفايات قبل وضعها في المستوعبات لتخفيف الخطر الناجم عن ترك النفايات في الطرق. واليوم عقدت حملة إقفال مطمر الناعمة والحركة البيئية اللبنانية والتجمع لحماية البيئة، مؤتمراً صحافياً عند مدخل مطمر الناعمة في مكان الاعتصام المفتوح الذي ينفذ منذ يوم الجمعة، حيث أكدت الاستمرار في الاعتصام. وأوضح المحامي عماد القاضي الذي ألقى كلمة باسم الحركة أن استمرار الاعتصام المفتوح هو "الخيار الوحيد المتبقي لنا، لنصبح مثلنا مثل كل المواطنين في لبنان لنا حق أن نعيش حياة طبيعية لا تحيطها النفايات وغازاتها وترسباتها وتلويثها لارضنا وبيئتنا". واعتبر أن ما تقوم به الحملة هو "خدمة لكافة الشعب اللبناني، بسبب إهمال الدولة لإيجاد حل حقيقي لكارثة النفايات في لبنان، وهناك أمثلة عديدة أشهرها جبل النفايات في الكرنتينا، وجبل النفايات في صيدا، اللذين أوقفا بسبب مخاطرهما على الناس، لكن المشكلة الأكبر هو مطمر عين درافيل- الناعمة الذي أصبحت مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع من أراضي قرانا وهو مستمر ولا يرحمنا". وأكد أن الإعتصام لن يحل قبل الإعلان بأن "عقد الطمر في مطمر الناعمة - عين درافيل انتهت صلاحيته في 17-1-2014 ولا مجال لتمديده بأي شكل من الأشكال وفور الإعتراف بالمخالفات لعقد الطمر التي ارتكبت منذ بداية الطمر من 16 سنة لليوم واتخاذ الخطوات الضرورية فوراً لمعالجة انبعاثات الغاز خاصة المسببة للسرطان وترسبات النفايات في الأرض وعصارة النفايات التي تتحول اسيدا تسمم باطن الأرض والمياه والتشويه البيئي على مساحة 300 ألف متر مربع". وشدد أيضاً على أن الشرط الآخر لوقف الاعتصام هو أن يباشر مجلس الإنماء والإعمار "بإعتماد أي من عشرات الخطط المطروحة من قبل الجمعيات البيئية والدراسات المتعددة لحل مشكلة النفايات الصلبة في لبنان، ويرفعها الى مجلس الوزراء كما يقوم المجلس النيابي بإقرار مشاريع القوانين المتعلقة بمطمر الناعمة ومعالجة النفايات في كل لبنان". من جهته، لفت رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبو راشد إلى أن "أحداً من المسؤولين في الدولة لم يتفاوض معنا ولم يحضر الوزراء او النواب ويشاركوننا الاعتصام، وكان يفترض ان يكون هناك تحرك من المسؤولين في هذا الخصوص"، مبدياً "استعداد الحركة للتفاوض". يشار إلى أن مطمر عين درافيل- الناعمة يمتد على مساحة 300 ألف متر مربع بعد توسيعه عدة مرات في السنوات الماضية من دون خطة لمعالجة النفايات بشكل صحيح، وأعمال طمر النفايات فيه ملزّمة لمجموعة "أفيردا" عبر شركة "سوكومي" الشركة الشقيقة ل"سوكلين"، التي تطمر شهرياً ما يزيد على 65 ألف طن من نفايات بيروت وجبل لبنان. وتمتد تأثيرات المطمر إلى الناعمة والقرى المحيطة وهي حارة الناعمة وعبيه وعين درافيل وبعورته.