لم يكن المكتشف والبحار الفرنسي روبرت دو لا سال الذي حملته مياه الأطلسي الى القارة الأميركية ومدينة بيتسبرغ معقل قبائل الهنود الأصليين، عام 1669، ليتوقع أن تحتضن مدينته اليوم قمة مجموعة الدول العشرين الأغنى في العالم والأكثر تأثيراً في العجلة الاقتصادية، وأن تسهم بشكل أو بآخر برسم المنظومة المالية الجديدة بعد الأزمة الأخيرة.بيتسبرغ او «مدينة الجسور» (تضم 446 جسراً) أصبحت اليوم جسراً اقتصادياً للقرن الواحد والعشرين، بانتقالها من تاريخ صناعي أسود اعتمد على صنع الصلب والأسلحة والفحم الحجري حتى سبعينات القرن الماضي الى مرحلة الاقتصاد الحديث والصناعات الطبية والبيئية. ما وضعها في المرتبة العاشرة عالمياً في النمو الاقتصادي (مجلة فوربس) والأقل بطالة في الولاياتالمتحدة (7.8 في المئة مقابل 10.2 في المئة المعدل الوطني لها). فالمدينة الواقعة على مثلث بين أنهر أليغيني ومونونغيهيلا وأوهايو تستعد اليوم لاستقبال الحدث الأكبر في تاريخها منذ فوز فريقها لكرة القدم الأميركية «ستيلرز» بالبطولة الوطنية عام 1974، مسلحة بإجراءات أمنية مثقلة، كلفتها 18 مليون دولار. وتأتي الاجراءات الأمنية في وجه التظاهرات لمجموعات مناهضة للعولمة، والتي يتوقع أن تهيمن على المدينة وقرب مركز «لورنس» للمؤتمرات حيث تعقد القمة. وثمة مخاوف من ان تعيد هذه التظاهرات سيناريو التسعينات وتقفل المدينة كما كان الحال مع قمة سياتل (1999)، حيث عطلت التظاهرات العنيفة اليوم الأول منها. وستتحول النقاط التاريخية في المدينة، مثل متحف النجم الأميركي أندي وورهول، ومعامل «هاينز» لل «كاتشاب» ومحطات الممثلة شاين ميلر في فيلمها «المصنع» الى جانب حدائق المدينة وبعض مساحاتها الزراعية، الى نقاط سيتوجه اليها بعض وجوه القمة، مثل السيدة الأميركية الأولى ميشال أوباما التي ستعقد ندوة في مركز «هاينز» اليوم، الى جانب تيريزا هاينز كيري، زوجة السيناتور جون كيري، والتي تملك هذه المعامل. وهذه القمة هي الثانية لأوباما والأولى له داخل الولاياتالمتحدة، ويأمل منها الرئيس الأميركي عدا عن الدفع بالأجندة الأميركية في المجموعة، تحسين رصيده وشعبية الحزب الديموقراطي في المدينة الحاسمة انتخابياً. ولا يغيب اللون العربي عن بيتسبرغ، اذ تعتبر ثاني أكبر مدينة في ولاية بنسلفانيا التي بدورها تضم أكثر من مئة ألف عربي. ويعكس هذا التنوع وجود النادي السعودي فيها. وهو أحد اكثر النوادي العربية فاعلية في الولاياتالمتحدة، نظراً الى توافد الطلاب السعوديين الى جامعات المدينة، خصوصاً جامعتي بيتسبرغ وكارنيغي ميلون. والمملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة ضمن مجموعة العشرين، والتي من المتوقع أن يمثلها في الاجتماعات ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ووزير المال ابراهيم العساف. وفيما تهدف القمة الى استكمال استشارات قمتي واشنطن ولندن اللتين أعقبتا الأزمة الاقتصادية، خصوصاً لجهة فرض رقابة على العلاوات المصرفية ومعدلات الضخ في الاقتصاد العالمي، تتطلع مدينة بيتسبرغ اليها كفرصة استثنائية للربح تدر عليها أكثر من عشرين مليون دولار.