بخلاف الجدول البروتوكولي الذي توقعه القادة العراقيون، جاءت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى بغداد أول من أمس خاطفة وسريعة، فيما كانت لقاءاته معهم غير معد لها، بحسب مصدر في القوات الأميركية. وكشف قريبون من رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي أن «أوباما ناقش اضطراب الأوضاع الأمنية في بغداد أخيراً وانعكاسها على وضع القوات الأميركية وجدولة الانسحاب». وكان المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية جلال طالباني أشار صباح أول من أمس الى وجود نشاط «مهم» للرئيس العراقي. وعلمت «الحياة» أن استعدادات جرت في قصر السلام، مقر اقامة الرئيس العراقي، لحرس الشرف، إذ كان من المتوقع أن يصاحب زيارة أوباما حفل استقبال رسمي، كما حصل مع سلفه جورج بوش في زيارته الأخيرة نهاية العام الماضي. لكن مصدراً في القوات الأميركية طلب عدم كشف اسمه أكد ل «الحياة» أن «زيارة الرئيس أوباما الى العراق كانت للتباحث مع قادة الجيش الأميركي في الاستراتيجية الجديدة لإدارته وكي يستمع إلى آراء القادة الميدانيين عن امكان الانسحاب وفقاً للجدول المنصوص عليه في الاتفاق الأمني». ولفت المصدر الأميركي إلى أن لقاء أوباما مع رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي ومجلس الرئاسة جرى بعد حين في قصر الفاو غرب العاصمة، وهو مقر اقامة قائد القوات الأميركية الجنرال راي أوديرنو. وأضاف: «على الأرجح إن اللقاءات جرت بطلب من العراقيين» بعدما أعلن البيت الابيض أن أوباما سيكتفي باتصالات هاتفية مع المسؤولين العراقيين بسبب سوء الأحوال الجوية في بغداد. من جهته، قال القيادي في حزب «الدعوة» علي الأديب ل «الحياة» إن «أوباما بحث مع العراقيين في موضوع الانسحاب كي لا يؤثر في الوضع الأمني في البلاد». وأشار الى أن الرئيس الاميركي «يخشى من ربط التدهور الأمني بسياسته مثلما ارتبط تحسن الأمن بسلفه بوش عندما قرر زيادة عديد القوات قبل سنتين». وكان أوباما وصل إلى قاعدة «فيكتوري» الأميركية قرب مطار بغداد الثلثاء الماضي وأعلن أن إعادة قواته (الى بلادها) «مرتبطة بجعل العراق مكاناً مستقراً وليس ملاذاً آمناً للإرهابيين»، وطالب ب «ضم العراقيين الى العمل السياسي والقوى الأمنية»، لكنه توقع أن تشكل الشهور الثمانية عشر المقبلة خطراً على العراق يتزامن مع الانتخابات التشريعية نهاية العام. الأديب ربط هذه التصريحات بوجود معلومات «عن نشاطات محتملة لخلايا ارهابية نائمة كانت في المعتقلات وأطلقتها القوات الاميركية». وأضاف «أن أوباما طالب بمواقف موحدة وحازمة في حق المجرمين». وزاد أن «رئيس الوزراء طالب أوباما بتفعيل الاتفاق الاطاري والاتفاق على مواعيد محددة للانسحاب في ما يتعلق بالاتفاق الامني». والتقى أوباما خلال زيارته الى بغداد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ورئيس وزراء الاقليم نيجيرفان بارزاني، اضافة الى لقائه نائبي رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي وطارق الهاشمي. ونقل بيان رئاسي عن أوباما خلال لقائه طالباني تأكيده التزام بلاده باستمرار دعمها للعراق وتطويره وتقديم المساعدات اللازمة للعراقيين في كل المجالات. وأشار الى اهمية المرحلة التي يمر بها العراق الآن كونها مرحلة تمهيدية للوصول الى الانتخابات المقبلة، مؤكداً أن «علينا خلق مناخ انتقالي سليم للوصول الى هذا الهدف». وشدد الرئيس الاميركي على أن «العراق ما زال مهماً جداً بالنسبة إلينا، ونريدكم أن تكونوا متأكدين من ذلك»، وأضاف أن «الانتخابات الماضية أظهرت رغبة حقيقية للشعب في استقرار الأوضاع، ونريد أن يحصل الجميع على حرية اختياره»، وأكد: «سنقدم لكم الدعم اللازم لاستقرار البلد وازدهاره». رئيس كتلة «الفضيلة» البرلمانية حسن الشمري وصف زيارة الرئيس الأميركي الى العراق وظروفها بأنها «طبيعية» بسبب العلاقة المتشابكة بين البلدين، وقال إنها زيارة ليست بالجديدة لرئيس أميركي بهذه الطريقة. واعتبر الشمري الزيارة «فرصة للحكومة العراقية لتوضيح كثير من الأمور ومن بينها إلزام الجانب الأميركي بتنفيذ بنود الاتفاق الأمني الذي وضع جداول محددة للانسحاب، وعدم القيام بانسحاب مفاجئ يترك فراغاً أمنياً كبيراً». أما النائب عن «المجلس الاعلى» طه درع فقال إن زيارة أوباما دعمت الحكومة العراقية والعملية السياسية، ولا سيما أن أكثر ما يهم أميركا الآن هو استقرار الوضع في العراق. وأضاف ل «الحياة» أن «الولاياتالمتحدة بدأت بتغيير سياستها، وخصوصاً بعد الأزمة المالية التي دفعت الرئيس الأميركي الى التفكير بالمسألة العراقية ومسألة الشرق الأوسط». وتابع أن «الرئيس أوباما عندما يتحدث عن إجراء حوارات مع جيران العراق وضرورة الدفع بهذه الدول المجاورة الى أن تلعب دورا ايجابيا مع العراق، بمعنى أن هناك تغيراً في سياسة الولاياتالمتحدة الاميركية». من جهة أخرى، يغادر رئيس الوزراء نوري المالكي الى موسكو في زيارة رسمية تستمر يومين يبحث خلالها في تجديد العقود النفطية واعادة العلاقات الثنائية بين البلدين. وجاء في بيان للناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ أن المالكي «سيلتقي خلال الزيارة مع رئيس وزراء جمهورية روسيا الاتحادية فلاديمير بوتن وعدد من المسؤولين الروس». وأشار إلى أن «وفداً وزارياً رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية والدفاع والكهرباء ووفداً من وزارة النفط سيرافق رئيس الوزراء للبحث في مجمل القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية. وتشير التقارير الى مذكرات اقتصادية وتجارية من المؤمل أن يوقعها هناك مع المسؤولين الروس، اضافة الى تبادل الخبرات بين البلدين». ومن المقرر أن ينفذ المالكي خلال الثلث الاخير من هذا الشهر جولة أوروبية في مسعى إلى كسب التأييد الدولي، لدعم مشاريع اعادة اعمار العراق وعرض فرص الاستثمار في المحافظات. وكانت مصادر اعلامية روسية كشفت في وقت سابق أن المالكي سيجري خلال زيارته المقررة هذا الاسبوع الى موسكو محادثات تتناول تجديد عقود نفطية منحها العراق إلى شركات روسية. يذكر أن المجموعة الروسية العملاقة «لوك أويل» وقعت عام 1997 عقداً لاستغلال حقل «القرنة الغربي 2» النفطي، لكنها طردت من البلاد حتى قبل احداث عام 2003 بسبب خلافات مع النظام السابق.