كان من اللافت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن تعلن الإمارات «المعتدلة»، مباركة قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس في إرسال قوات ومعدات عسكرية مغربية إلى أبو ظبي لمكافحة الإرهاب. وأعرب يومها وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد عن شكره لهذا التحرك، واصفاً الخطوة بأنها «موقف نبيل نابع من توافق وتطابق وجهات نظر البلدين، نظراً إلى ما يشكله الإرهاب من تهديد خطير للأمن والسلم الدوليين وانتهاك لحقوق الإنسان»، وبعدها بأيام عادت الإمارات، وأعلنت قائمة إرهابية (داخلية) تضم 83 جماعة وتنظيماً ومؤسسة في دول مختلفة، ما دفع عدداً من المراقبين الى البحث عن معنى التحركات الإماراتية الأخيرة في المنطقة، وعما إذا كانت خطوات مستعجلة أم مبررة. بعدها انتقدت الجماعات التي ضمتها اللائحة، الإمارات، ودعتها إلى العدول عن قرارها، ورد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش مباشرة، بأن «هذه الجماعات بإمكانها أن تستأنف وتخرج من القائمة». وأشار في تغريدات على حسابه على «تويتر»، إلى أن «القانون يتيح للمنظمات الاستئناف عبر الأدلة ومن خلال المحاكم لحذف اسمها من القائمة، وهذا متاح أمام المنظمات التي تغيّر نهجها». وفي ظل مخاوف المراقبين من أن خطوة اعلان القائمة قد يدرج الإمارات كدولة، على لائحة الدول المستهدفة من قبل هذه التنظيمات، يقول الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، إن بلاده «مستهدفة من جماعة الإخوان المسلمين، وأن تحريض الجماعة ضد أبو ظبي أصبح واضحاً للجميع». وأضاف عبد الخالق:» هذه الجماعة تدعو ليل نهار إلى كراهية الإمارات، ونحن تعرضنا لهذه الحملة التحريضية منذ عام كامل، وبدأها كبيرهم يوسف القرضاوي الذي أعلن أن الإمارات تعادي الإسلام». وأضاف: «تتعرض الإمارات لافتراءات وإشاعات وهجوم من قبل الإخوان أكثر من أي دولة خليجية اخرى، وبعض منهم يعتقد ان الإمارات أصبحت أخطر عليه من إسرائيل». ورأى أن إعلان القائمة الخاصة بالمنظمات الإرهابية في أبوظبي، هي «خطوة استباقية ومبررة وغير متسرعة»، وأضاف:»إصدار هذه القائمة يأتي لأن الإمارات تتعرض للتهديدات الإرهابية منذ زمن، ونحن لدينا قانون لمكافحة الجرائم وقائمة المنظمات الإرهابية أصدرت بناءً عليه، ومن حق أبو ظبي أن ترفق هذا القانون بقائمة استرشادية لمواطنيها لكي لا يتعاملوا مع هذه الجماعات». وتابع: «هذه اللائحة تقع ضمن ما يسمى الدفاع الاستباقي، ومن يرى نفسه من هذه الجماعات أو أنه أقحم فيها من دون وجه حق، فاحتمال رفع الحظر عنه وارد، والقائمة سيعاد النظر فيها وفق القانون، وتستطيع أي منظمة أن تقدم أدلتها وتخرج منها»، مؤكداً أن بلاده بالنسبة إلى الوضع الأمني «تعيش في حال مستقرة مثل الخليج والسعودية، ولكنها تعيش وسط منطقة مليئة بالغلو والتطرف ووسط براكين من الفوضى». وأوضح عبد الخالق أن القائمة الإماراتية داخلية، مستبعداً أن يتم تعميمها، وقال: «هذه القائمة اماراتية خالصة، ونابعة من المؤسسات الإماراتية الخاصة، على رغم أن مصر رحبت بها مباشرة لكن لا أعتقد أنه سيتم تعميمها». ورداً على سؤال حول مخاوف الإمارات من قيام هذه الجماعات بأعمال تخلّ بالأمن في البلاد، قال:» الأجهزة الأمنية يقظة في شكل كامل على مدار الساعة، والإمارات لم تتعرض منذ 20 عاماً لأي حدث إرهابي، ومع ذلك كل شيء وارد، ومن حق الإمارات أن تحمي نفسها». وأبدى تمسكه بأن الإمارات «ستبقى قلعة الاعتدال اليوم وغداً في المنطقة، والحصن الحصين المدافع عن استقرار المنطقة، وهي تدافع عن الاستقرار في المنطقة وعن مصر تحديداً»، داعياً إلى عدم النظر إلى كل ما يطرح من انتقادات لسياسة أبو ظبي وملف مكافحتها للإرهاب، وقال:» هذا كله في سياق الافتراء على الإمارات، وبعضهم يتهمها بأنها تؤجج الفتن والصراع». وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود في الرياض، ونائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية صالح الخثلان، إن «سلوك السياسة الخارجية الإماراتية في شكل عام بعد الربيع العربي، أصبح ملفتاً في نظر كثير من المراقبين، فمقارنة بالأعوام التي مضت، نجد أن الإمارات أصبحت فاعلة في القضايا الإقليمية حتى خارج نطاقها الجغرافي التقليدي والمتمثل في الخليج العربي، فقد شاركت في الجهود الدولية للتصدي لنشاطات تنظيمات مرتبطة بالقاعدة في مالي ولها مشاركة عسكرية فاعلة في ليبيا ضد الميليشيات المتطرفة هناك، كما أن الإمارات شريك رئيس في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، وأصبحت قاعدة «الظفرة» منطلقاً رئيساً لشن الغارات ضد التنظيم». وأشار إلى أنه «ليس مفهوماً حتى الآن أسباب ودوافع هذا التحول في السياسة الإماراتية من ردود الفعل التي كانت سمة للسياسات الخارجية لدول الخليج في شكل عام إلى المبادرة، والانتقال من التركيز على القضايا الاقتصادية وجعل السياسية الخارجية في خدمتها إلى قضايا الأمن والاستقرار وتوظيف أدوات عسكرية بدلاً من الديبلوماسية التي تعد الأسلوب المفضل للدول الصغيرة للمشاركة في الشأن الإقليمي والدولي». ولفت الخثلان إلى أن «هذا السلوك المستجد يشبه إلى حد ما التحول الذي شهدته السياسة الخارجية القطرية في النصف الثاني من التسعينات، حيث أصبحت الدوحة في مقدمة اللاعبين في المنطقة ولا زال المراقبون في حيرة لإيجاد تفسير لهذه السياسة النشطة التي لا تتناسب مع التصور التقليدي للسياسة الخارجية للدولة الصغيرة». وحول الإعلان الإماراتي لقائمة ال 83 للتنظيمات والمؤسسات التي جرّمتها أبو ظبي، قال:» الحقيقة أن هذا الإعلان لهذه الجماعات والمؤسسات التي تنشط في مختلف أرجاء العالم، ووصفها بأنها تنظيمات إرهابية يأتي أيضاً في إطار هذا التحوّل المثير في السياسة الخارجية الإماراتية». وتابع:» ليس معلوماً حتى الآن المعايير التي استخدمت لجمع كل هذه التنظيمات والمؤسسات تحت تصنيف واحد واتهامها كلها بالإرهاب، ولذلك صدرت احتجاجات على القائمة من دول وتنظيمات منها الولاياتالمتحدة ضد إدراج مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية وكذلك من النروج وغيرها». وأضاف:» وعلى سبيل المثال لو اتخذت الإمارات إجراء ضد أحد منسوبي مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية فهذا سيثير مشكلة مع واشنطن، كذلك الحال مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث سيتسبب أي إجراء ضده بمشكلة مع قطر حيث يوجد المقر الرئيس للاتحاد، وهكذا مع بقية الهيئات والمؤسسات التي لم تصنّف بأنها إرهابية في بلدانها أو من المجتمع الدولي، كما أن عدم وضوح هذه المعايير المستخدمة في التصنيف تجعل الرأي العام يتساءل عن مبرر إدراج مؤسسات خيرية تعمل في الدول الغربية، وتجنب إدراج «حزب الله» اللبناني على رغم ثبوت تورطه في أعمال إرهابية في سورية». وأكد أنه بالمقارنة بين هذه القائمة وبين قائمة الأممالمتحدة، نجد أن «الأخيرة تقتصر على تنظيمات مرتبطة بالقاعدة، كما أن قائمة الولاياتالمتحدة تقتصر على تنظيمات متورّطة في أعمال إرهابية وتهدّد أمن مواطنيها أو تهدّد مصالحها ومن ضمنها علاقاتها الخارجية، (...) كثرة التنظيمات التي شملتها القائمة تتسبّب في تعقيدها ومن ثم صعوبة متابعتها عملياً، بخاصة أن بعض المؤسسات والجمعيات المصنّفة بأنها إرهابية لها صلات بالمجتمع الخليجي على المستويين الرسمي والشعبي في إطار دعم العمل الخيري في العالم والذي يعدّ سمة أساسية لهذا المجتمع، ومن المؤكد أن تجريم المؤسسات غير الرسمية التي تعمل في مجال إغاثي ودعوي سينعكس سلباً على العمل الخيري حيث سيدفع الأفراد لتجنّب تقديم المساعدة لأي مؤسسة خيريّة خارج الإمارات خشية التورط في أعمال مجرمة». ولفت الخثلان إلى أن التصدي للإرهاب «أصبح ضرورة ويتطلب إجراءات صارمة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، إلا أن هذه الإجراءات الخاصة بالمكافحة تستوجب الدقة ووضوح المعايير والضوابط، بخاصة في ظل وجود خلاف على تعريف الإرهاب».