لم يأت اختيار الإعلامي اللبناني ميشال غندور مراسلاً لقناة «الحرة» في وزارة الخارجية الأميركية اعتباطاً. فالرجل الذي كان أول وجه يطل عبر القناة الأميركية الناطقة بالعربية يمتلك تجربة قاربت العقدين في واحدة من أشهر المحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية وهي محطة «أل بي سي»، فضلاً عن أن سحنته وشخصيته الإعلامية تنمان عن وقار ورصانة عادة ما يميزان الإعلامي العامل في الأوساط والمحافل الديبلوماسية. وهو يقدم علاوة على ذلك حلقة أسبوعية من برنامج «ساعة حرة» إلى جانب تغطياته الميدانية لمناسبات ومحطات إخبارية مهمة كتغطيته للانتخابات الأميركية والانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة من بيروت. فهل كان سهلاً على غندور بعد مشوار طويل مع «أل بي سي» ترك المؤسسة الإعلامية التي عرفه الناس عبرها؟ وهل يعتبر نفسه من خريجي مدرسة «أل بي سي» التي قدمت عشرات الكفاءات الإعلامية اللبنانية؟ يقول ل «الحياة»: «في المطلق ليس من السهل ترك بلدك وكل ما بنيته في مجتمعك على مدى أكثر من ثلاثة عقود والهجرة وعائلتك الصغيرة إلى بلد آخر. ومن دون الخوض في تفاصيل طبيعة لبنان وشعبه وقياداته وتركيبته ومستقبله وماضيه اتخذنا زوجتي الإعلامية ماري زعرب وأنا القرار وهاجرنا إلى الولاياتالمتحدة وبدأنا مسيرة مهنية جديدة. بالفعل كان ترك عملي في «المؤسسة اللبنانية للإرسال» مسألة صعبة، خصوصاً أنني أمضيت فيها قرابة 19 عاماً بدأت فيها كمساعد مصور في 1986 ثم أصبحت مصوراً إلى أن تخرجت من الجامعة في 1990 وانتقلت من خلف الكاميرا إلى أمامها. وهنا لا أنسى دور الشيخ بيار الضاهر الذي أبلغته يوم تخرجي أنني أنهيت دراستي وأريد العمل مراسلاً فكان أن ظهرت على الشاشة بعد يومين». ويضيف: «المؤسسة اللبنانية للإرسال» هي أكثر من مدرسة وقد تحولت بفضل رئيس مجلس إدارتها من محطة محلية إلى محطة عربية رائدة تجهد الكثير من المحطات العربية لمجاراتها. وقد علمتني تجربة «أل بي سي» قواعد اللعبة التلفزيونية وكيفية ممارستها في بلد حساس كلبنان وفي ظروف متقلبة ومعقدة. وعن الفرق بين العمل في محطة لبنانية وأخرى أجنبية يقول: «العمل في محطة لبنانية يعني التركيز على الأخبار المحلية والتي للأسف وبمعزل عن الحوادث المؤلمة والحروب البشعة التي شهدها لبنان أصبحت مكررة. ومع كل ذلك العمل الإعلامي في لبنان له نكهة خاصة. ولكن وللأسف فإن بعض الإعلام اللبناني أصبح ناطقاً باسم السياسيين. أما المواطن الحيادي فلا يسمع له صوت وهو في أمس الحاجة إلى إعلام يمارس دور الرقابة وكشف المستور لتنوير المجتمع. اما العمل في محطة أجنبية ناطقة بالعربية مثل «الحرة» فيعطي الصحافي بعداً شمولياً في عمله الإعلامي. كما أنك تعمل مع زملاء من جنسيات وخلفيات متعددة وهذا مصدر غنى». وحول ما يقال عن «لوبي» لبناني داخل «الحرة» متحكم بمفاصل المحطة وتفسيره للحضور المكثف للإعلامي اللبناني في مختلف المحطات الفضائية العربية يجيب غندور: «بداية إدارة «الحرة» وكما كل المؤسسات الأميركية لا تنظر إلى جنسية الشخص أو طائفته أو عرقه أو لونه أو مذهبه عند توظيفه. ولذلك التمييز بين شخص وآخر على أساس الجنسية أمر غير مقبول. تضم «الحرة» زملاء صحافيين وعاملين من جنسيات عربية مختلفة وليس هناك أي «لوبي» يتحكم بالمحطة. أما التواجد اللبناني المكثف في المحطات الفضائية فهو أمر ربما كان صحيحاً كون لبنان هو مهد الصحافة والطباعة وكون اللبنانيون ومنذ مئات السنين برعوا في تأسيس وإدارة الصحف». ولكن، هل يواجه غندور كمراسل من داخل الخارجية الأميركية أية عقبات على خلفية انتمائه اللبناني الشرق الأوسطي؟ ومن يتطبع بطبع الآخر ويتغلب: الإعلامي المكتشف والمقتحم أم الديبلوماسي المتكتم والمناور في لعبة استقصاء المعلومات والحصول عليها؟ يقول: «لم يشكل انتمائي اللبناني أو العربي أي عقبة في عملي كمراسل تلفزيوني في مقر وزارة الخارجية الأميركية. ففيها الكثير من المسؤولين الذين عملوا في دول كثيرة في الشرق الأوسط، ويعرفون هذه المنطقة وعاداتها وتقاليدها في شكل جيد ويكنون كل احترام لأبنائها. العمل الصحافي في جو ديبلوماسي يتطلب ديبلوماسية وإصراراً وبحثاً وتعمقاً وعلاقات واتصالات ومتابعة ومثابرة وقراءة بين السطور وتحليلاً للوصول إلى الخبر. فالعمل الإعلامي في مقر الخارجية الأميركية يختلف عنه في الميدان. الاقتحام لا يلتقي مع الديبلوماسية. وبالاقتحام لا يمكنك الحصول على أي معلومة لا يريد الديبلوماسي أن يقدمها. وأكثر من ذلك العمل المؤسساتي الأميركي يفرض على المسؤولين مهما كبر أو صغر منصبهم، في الخارجية أو غيرها، الالتزام بمواقف وتوجيهات تأخذ وقتاً كافياً من النقاش بين المعنيين لوضعها ولا يمكنهم الخروج عن مضمونها. لذلك ليس من السهل استدراج أي مسؤول إلى موقف خارج إطار ما هو متفق عليه مسبقاً». وعما إذا كان هناك قلق في «الحرة» من تزايد القنوات الموجهة للعالم العربي مع انضمام الصين وكوريا الجنوبية أخيراً إلى حلبة القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية أم أنهم متفوقون عليها، يقول ميشال غندور: «انضمام الصين وكوريا الجنوبية إلى نادي الفضائيات العربية هو مصدر غنى للمشاهد العربي الذي عليه أن يتمتع بنعمة حصوله على أكثر من 400 قناة تلفزيونية بأدنى تكلفة ومصادر متنوعة للبرامج والأخبار والثقافات. وهذا الأمر غير متوافر بهذا الحجم في كثير من دول العالم وبهذه الكلفة المتدنية. أما في «الحرة» فهدفنا القيام بعملنا الصحافي وتقديم الأخبار والبرامج بشكل موضوعي ومتوازن من دون أي خلفيات أو رسائل سياسية ومن دون أجندات خفية».