تقارب الساعة السادسة مساءً. تبدأ «الوفود» الرياضية بدخول صالة التمارين. ليس الزي الموحّد هو الذي يجمع بين هذه الوفود الآتية من مكاتب العمل أو من المنازل، أو خارجة لتوها من «عنق الزجاجة» بعد نهار مضن من عجقة سير خانقة في شوارع بيروت... الحقيبة الرياضية هي القاسم المشترك بين مجموعة من الرجال والنساء قررت «تتويج» يومياتها المثقلة بالهموم والمتاعب بستين دقيقة من «فشة الخلق». هي إذاً صالة لتنفيس الاحتقانات الداخلية والstress، وللتزوّد بكميات وافرة من «أوكسيجين نفسي» يكفي لمواجهة ضغط الحياة اليومية، أو ربما هرباً من واقع ما، أسهل طرق مواجهته هي إدارة الظهر له... لا حاجة للسؤال عن الcoach إذا وصل الى صالة التمارين. المدرّبة كارلا تكون عادة أول الواصلين الى حصة الرياضة. عمرها يتلطى خلف عضلات مرسومة «بريشة» الأوزان الثقيلة التي تحملها في كل مرة تقدّم فيها حصتها التي تخطف أنفاس المتدربين. لا تفارق الابتسامة ثغر كارلا وهي تقود فريقها الرياضي نحو قمة «الهلاك». من يراقب انفعالاتها عن قرب يتساءل عن مدى قدرتها اللافتة على فصل تعب الجسد عن ارتياح تقاسيم وجهها الجميل. تعترف المدرّبة الأربعينية بأن الرياضة «خبزها» اليومي. ضمن هذه المعادلة لا يدخل العمر هاجساً ينغّص على السيدة الشقراء المثيرة فرحة استكمال مشوارها الرياضي... وكأنه بدأ للتوّ. موسيقى صاخبة ترافق الحصة «النارية». ولا تكتفي كارلا ب «كلاسيكيات» اللعبة الرياضية. تضيف عليها نفحة من أسلوبها في إضفاء المزيد من الحماسة على «جحيم» ال «الستين دقيقة». صراخها يواكب كل محطات حصتها الرياضية. هي جرعات من رفع المعنويات تبدو ضرورية لكل فريق صفها لكي يتمكن من إكمال «المهمة» حتى النهاية. «تحدّوا أنفسكم... واكملوا حتى نهاية الصف»، «ممنوع التوقف»، «ثقتكم بنفسكم تكبر هنا»، «الكيلوغرامات الزائدة تتبخر عندي وليس في أي مكان آخر»، «أكملوا الصف وإلا لا تعودوا الى هنا»... يبدو الأمر كتدريب عسكري إجباري في ظروف أكثر من صعبة، لكن الانتساب اختياري. والمدرّبة سيدة جميلة ذات خبرة عالية في تطويع العضلات... و «النفسية» المتعبة، والمتدربون لا يجدون سبيلاً سوى «التجنّد» في حصة كارلا للتخلص من «أثقال» الحياة اليومية. صداقات عدة راكمتها المدربة كارلا خلال سنوات عملها. تقول: «تلاميذي هم أصدقاء لي. يعرفون مشاكلي وأعرف مشاكلهم. هذا يخلق جواً من الألفة ويضيف نكهة مميزة الى حصة رياضية قاسية يستصعب بعضهم إكمالها حتى النهاية». أوامر المدربة التي حافظت على مقدار كبير من الأنوثة في جسد احتلته العضلات المنحوتة، مطاعة داخل الصف وخارجه. تشرح الوضع على طريقتها: «لا مجال للهروب من أوامري الرياضية. أما خارج الصف فغالباً ما أقدّم نصائح لمشاكل تلاميذي، وفي كثير من الأحيان تكون نصائحي مطاعة». النادي الذي تعمل فيه كارلا يقع في إحدى المناطق الثرية من جبل لبنان. صغر المكان يجعله خارج إطار المنافسة مع العديد من النوادي الشهيرة في لبنان التي تصل كلفة الانتساب اليها سنوياً الى نحو عشرة آلاف دولار أميركي. النادي بهذا المعنى هو فندق خمس نجوم تتأمن فيه كل وسائل الراحة والرفاهية، ويضم جيشاً من المدربين يتوزعون على حصص مختلفة ومتخصصة تواكب آخر صيحات الرياضات التدريبية في العالم. وتسنى لكارلا أن تشترك مدة ستة أشهر في واحد من هذه النوادي الفخمة. يومها كانت متدربة نشيطة لا تفوّت ساعة تمرين واحدة وكانت تحلم في أن تصبح مدرّبة ذائعة الصيت. راكمت الفتاة الحالمة بلقب مدربة، سنوات من الخبرة في التمرّن في العديد من النوادي، الى أن قادتها الصدفة الى ذلك النادي الصغير المتواضع حيث اختبرت قدراتها الحقيقية على تحمّل ثقل مسؤولية أن تكون coach... هي إذاً من فئة المدرّبين الذين لم يحملوا شهادة محلية أو أجنبية، بل صنعوا صورتهم بعرق تمريناتهم اليومية في النوادي، إلى أن وضعتهم خبرتهم في الواجهة. الفتاة الشقراء المفتولة العضلات هي استثناء في عصر «اللياقة البدنية» التي تحوّلت الى صناعة قائمة بذاتها. أبطالها اليوم من أصحاب الاختصاص وحاملي الشهادات من عواصم العالم وأهم معاهد التدريب المتخصصة في لبنان، يتم التعامل معهم كأنهم من العناصر الأكثر جاذبية في ألف باء النوادي الرياضية. المدربون بمعنى آخر أصبحوا المثال لرواد النوادي، يتبعون تعليماتهم كأنهم أصحاب الحل والربط في أزمة الأزمات: البدانة أو هاجس الاهتمام بالمظهر الخارجي عبر حرق الشحوم الزائدة وإعادة نحت بعض العضلات وتفريغ الضغط النفسي اليومي في روتين مستحب وضروري. وعلى رغم تشعّب صناعة اللياقة البدنية ومردودها المادي وتلاقي أصحاب الخبرات مع أصحاب الشهادات في نوادي التدريب، لا وجود لاتحاد أو نقابة تحضن كل المدرّبين في لبنان، على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم، وتشرف على أعمالهم. وزارة الشباب والرياضة لا علاقة لها بالنوادي التجارية التي تفرّخ سنوياً وتأخذ ترخيصها من المحافظ، بل تشرف فقط على نوادي كمال الأجسام واللياقة البدنية والبالغ عددها نحو ثلاثين نادياً، فيما يبلغ عدد النوادي الرياضية التجارية في لبنان أكثر من 1500!