تحاول لجنة «بازل» للرقابة على المصارف استخلاص الدروس والعبر من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية بهدف تلافي تكرارها مستقبلاً. وتحاول سد الثغرات التي ظهرت أخطارها أثناء الأزمة، على رغم تحذير خبراء وأكاديميين منها، وكادت أن تحوّل النظام المصرفي إلى منظومة تتحكم فيه مجموعة مؤسسات ذات اهتمامات خاصة، بحسب وصف أحد المحللين ل»الحياة». خلاصة الدروس وضعتها اللجنة المنبثقة عن «البنك»، في تقرير يتضمن عشر توصيات، ترفعها إلى قمة مجموعة العشرين، تلقي على الحكومات دوراً كبيراً في الرقابة على مؤسسات المال. وتنصح اللجنة، في توصيتها الأولى، سلطات كل دولة بالحصول على «الأدوات اللازمة والمهمة» التي تساعد على استقرار أنظمتها المالية، والتقليل من حجم الأخطار، فتحمي المودعين والمستثمرين وتضمن حسن أداء أسواق المال والاقتصاد. ولا تبتعد التوصية الثانية كثيراً عن الأولى، فتتوجه إلى النظام القضائي لكل دولة لوضع الإطار القانوني الخاص ب «الأدوات» المنصوص عليها في التوصية الأولى، ما يعني أن الحكومات مطالبة أيضاً بإقرار عقوبات وتحديدها أو تبعات للمخالفين ومهددي الاستقرار المالي داخل حدودها، ما وصفته التوصية الثالثة بضرورة التنسيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية لتطبيق القوانين ووضع إجراءات لتنفيذها. ولأن حركة رأس المال باتت منذ عقود عابرة للقارات بوتيرة أسرع مما كانت سابقاً، اهتمت اللجنة في التوصية الرابعة بضرورة التنسيق على صعيد دولي، بما يتناسب مع قدرات كل دولة وإمكاناتها المحلية ولا يتعارض أيضاً مع المنظومة الدولية التي تشجع حركة رأس المال والاستثمارات العابرة للقارات. في المقابل لم تغفل التوصيات تقاطع المصالح والاهتمامات، فركزت الخامسة منها على أهمية تقليص ما وصفته بتعقيد العمل المصرفي دولياً وتداخل تراكيب المؤسسات الدولية وما ينجم عنه من إجراءات متشابكة. وتساهم تلك الإجراءات الميسرة في فهم كيفية عمل مؤسسات المال وآليتها، ما يساعد في سرعة اتخاذ إجراءات حاسمة في حالات الطوارئ. ولا شك في أن التوصيات ستعيد هيكلة الأنظمة التي تتحكم في عمل مؤسسات المال، لكن الأمر لا يخلو من مفاجآت تتطلب وضع خطة طوارئ تناولتها التوصية السادسة، التي ترى أن الخطط يجب أن تنسجم مع حجم المؤسسة المالية ونوع حالة الطوارئ التي تمر بها، ومدى علاقة حالة الطوارئ مع تعاملاتها الخارجية، أو نتيجة تداعيات داخلية فقط. وتحول الخطط دون انتقال عدوى عدم الاستقرار إلى أسواق المال أو انتقال ضرر يصيب مصرفاً إلى آخر. وإذا لم يكن في الإمكان تفادي أزمة أو الإفلات من تبعاتها، فلابد من اللجوء إلى خطط لإدارة الأزمات وفق التوصية السابعة، التي رأت أنها تتطلب وضوحاً وشفافية عاليتين وتنسيقاً سريعاً بين مختلف السلطات والجهات المسؤولة، لاسيما في مجال تبادل المعلومات التي لا غنى عنها في أوقات الأزمات، لتسهيل إدارتها وصولاً إلى إمكان وضع الحلول بأقل الأضرار المتوقعة والعودة سريعاً إلى النظام العادي، وتنصح تلك التوصية بوضع نوعين من خطط الطوارئ، الأول يتعلق بمشكلات قد تظهر، ولكن من دون وجود أزمة عالمية (أي إقليمية أو محلية) والثاني يهتم بالمشكلات النابعة نتيجة توتر في الأسواق العالمية ويكون للأزمة بعدٌ دوليٌ. وتطالب التوصية الثامنة السلطات القانونية بتشجيع استخدام تقنيات مختلفة للتخفيف من الأخطار وتساعد على مرونة التعاملات في الفترات الحرجة والأزمات، وتقترح على سبيل المثال، توحيد المعايير الدولية في إنشاء الحقائب الاستثمارية والشفافية في استعراض مكوناتها. بينما تتجه التوصية التاسعة إلى الحكومات التي يفترض أن تكون لها صلاحية تأجيل أو تفعيل اتفاقات أو عمليات استثمار مالية في حال عدم استيفاء الإجراءات المتفق عليها أو عدم خضوع تلك المعاملات للوائح والقوانين، ومن شأن الخطوة أن تضمن حقوق المستثمرين والمودعين على حد سواء. ولأن الدولة الآن أصبحت تتمتع بصلاحيات تطبيقية أكثر منها استشارية، وفي الوقت ذاته يجب أن تحفظ استقلالية الاقتصاد، توجهت التوصية العاشرة إلى الاهتمام بوضع استراتيجيات خروج الحكومات من الأسواق بعد إعادة الانضباط إليها، مع الاهتمام بتعزيز كفاءة تشغيل أسواق المال التي تضمن تحسن الأداء الاقتصادي على مختلف الصعد. وتبقى التوصيات العشر قابلة للتوضيح والإضافة. ويمكن للدول الأعضاء في لجنة مراقبة المصارف التي تضم 27 دولة، أن تتقدم بآرائها وأفكارها حولها، ولا يتوقع أن تشهد تغيرات كبيرة.