الواضح أن التجمعات القبلية تواكب التحول الرقمي بجدية. وجودها على الشبكة جسدته فترة طويلة منتديات أو «مجالس» - كما يفضل أصحابها تسميتها - أنشئت لإحياء أمجاد الماضي، وسرد القصص البطولية لفرسان القبائل في سالف العصر والأوان، وتداول أخبار الشخصيات المؤثرة في القبيلة، غير أن ذلك الوجود في العالم الرقمي شهد توسعاً مع ظهور حسابات قبائلية أخيراً، ضمن سرب «التغريد» في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». بمسميات «المجالس» ذاتها وبأسماء أخرى تنافسها، تتسابق حسابات أبناء الصحراء لكسب ود أبناء التجمعات القبلية المغردين في فضاء «تويتر»، وذلك بمتابعتهم تارة، وبنشر قصائد تتغنى بأمجاد الماضي أو تفخر بفعل جديد تارة أخرى، إضافة إلى إعادة تغريد أبرز ما يكتبه الأبناء المغردون. وإلى الإضاءة على الماضي ونقل الأخبار العامة والأشعار، يمثل الانتشار على «تويتر» قناة تواصل بين أبناء العشيرة الواحدة، إذ إن بعض المعرفات تولى نقل أهم الأحداث الخاصة بالعشيرة مثل الولادات والوفيات والتعيينات والترقيات، فضلاً عن إنجازات الأبناء التي تكون مصدراً للتفاخر المحمود. وبذلك تلعب المعرفات في بعض الأحيان دور الصحف المتخصصة بأمور القبيلة وأبنائها المنتشرين في أرجاء الخليج العربي، والدارسين منهم خارج حدوده. ويجد بعض الشبان القبائليين من الشعراء في معرفات قبائلهم وسيلة فعالة للإشهار، وبث أعمالهم الشعرية من طريقها، وذلك ب«منشنتها» (وضع معرف القبيلة ضمن التغريدة) خلال تغريدهم بما لا يتجاوز البيتين الشعريين في ال140 حرفاً لضمان إعادة التغريد، واكتساب شهرة ضمن الوسط الفسيح للعائلة، والتنافس على مسمى «شاعر القبيلة» في ظل الانتشار الكبير للشعراء في الساحة القبائلية. ويقول أحد المشرفين على الحسابات القبائلية (فضل عدم ذكر اسمه)، إن إنشاء المعرف القبلي في تويتر حفز رغبته في تعزيز صلة الرحم بين أفراد عشيرته، التي تمتد بين دول خليجية عدة، إضافة إلى رصد أخبار القبيلة وبثها، في ظل التفكك الاجتماعي الناجم عن التباعد الجغرافي، وذلك بتأمين الاجتماعات والتواصل في ضوء ثورة الاتصالات التي نشهدها حالياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويوضح المشرف نفسه أنه يحرص عبر المحتوى الذي يبثه عبر حساب القبيلة، على الابتعاد عن «العنصرية القبلية»، وأن مضمون الحساب يكون غالباً من أبيات شعرية للشعراء المنتمين لعائلته، وأهم الأخبار والأحداث التي تختص بالمنطقة التي يعيشون فيها، فضلاً عن بعض الأذكار والأدعية الدينية، إضافة إلى التذكير بمواعيد الزفاف لأبناء عشيرته الذين يرغبون في نشرها من خلاله، والوفيات وأهم إنجازاتهم. ويعتقد فيصل سعود (أحد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي) أن المعرفات القبلية في «تويتر» تأتي امتداداً للمجالس القبلية والمنتديات على الشبكة بعد أن أفل نجمها أخيراً، وأصبحت أشبه بالمنازل المهجورة، في ضوء توجه غالبية المستخدمين إلى «تويتر». ويرى أن التوجّه إلى إنشاء المعرفات في مواقع التواصل، «جاء لإثبات الوجود، ومحاولة لمواكبة التغيير الحاصل في الشبكة العنكبوتية». ويعتبر مستخدم آخر هو عبدالله خلف أن وجود مثل هذه المعرفات «من نعم التقنية الحديثة في حال ابتعادها عن العنصرية القبلية، وأن وجودها أسهم في زيادة أواصر صلة الرحم، ونقل الأحداث بين أبناء المجتمع الواحد المنتشرين في مدن عدة، الذين ذهب بهم طلب الرزق إلى مدن لا ينتمون إليها». وعلى الرغم من ازدحام مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المعرفات القبلية، وفيما يكون للقبيلة الواحدة في غالب الأحيان أكثر من معرف، فإن وجودها في الساحة «التويترية» يبقى محل جدل بين مستخدمي المواقع، بين مرحب ورافض للفكرة، في ظل تزايدها الملحوظ.