مثل رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دوفيلبان ومعه متهمان آخران أمس، أمام محكمة باريس الجزائية، في إطار ما يفترض أن يشكل الفصل الأخير في قضية «كلير ستريم» المعقدة والمتوالية الفصول منذ عام 2004. وتشكل وقائع جلسات المحكمة التي تستمر لمدة شهر محط اهتمام السياسيين والإعلاميين وأيضاً الرأي العام الفرنسي، كونها ذروة المواجهة بين دوفيلبان والرئيس نيكولا ساركوزي اللذين يوصفان بالأخوة الأعداء. وعلى رغم التفاوت بين موقع كل منهما، كون دوفيلبان موجوداً داخل قاعة المحكمة في حين أن ساركوزي يزاول مهمات منصبه من القصر الرئاسي، فإنهما مجمعان على ضرورة عقد المحاكمة وعلى أهمية القرار الذي سينبثق عنها. وتسنى لدوفيلبان التأكيد في مناسبات عدة أنه يتطلع الى هيئة المحكمة لإظهار براءته من التهمة التي وجهها إليه ساركوزي من موقع صاحب حق الادعاء العام في هذه القضية. كما يسعى دوفيلبان الى إثبات عدم مسؤوليته عن ورود اسم ساركوزي وغيره من السياسيين ورجال الأعمال الفرنسيين باعتبارهم من أصحاب الحسابات السرية في سويسرا، وأنه ليس ظرفاً في أي مؤامرة كان المقصود منها تلويث اسم ساركوزي وقطع طريق الرئاسة أمامه. وبالتالي فإن السؤال الذي ينبغي أن تجيب عليه وقائع المحاكمة هو هوية الشخص الذي زوّر اللوائح ولحساب من، وهو سؤال يبدو بسيطاً، لولا طبيعة وشخصية المتهمين الآخرين في هذه القضية وهما النائب السابق لرئيس مجموعة «أو أدي أس» جان لوي جيرغوران والاختصاصي في المعلوماتية عماد لحود، اللبناني الأصل. فالمعروف عن جيرغوران الذي تولى إيصال اللوائح المزورة الى القضاء بصيغة رسائل من مجهول، إنه من المهووسين بالسرية والتخوف من المؤامرات. وسبق لجيرغوران أن أكد أنه ضحية خديعة أوقعه فيها لحود، الذي كان يعمل لدى «أو أدي أس»، بأن أقنع الاول بأن اللوائح حقيقية. أما لحود، الذي يعد المسؤول عن تزوير اللوائح، فهو يعد صاحب شخصية ملتبسة، وأدلى حتى الآن بشهادات وصيغ متعددة ومتضاربة حول دوافع تزوير اللوائح وطبيعة علاقته بجيرغوران. وعلى رغم عدم وجود ادلة قاطعة على أن اللوائح زورت بطلب من دوفيلبان أثناء توليه منصب وزير الداخلية، فإن القضاء يعتبر أنه تسنى له أن يعرف أنها مزوّرة وتكتم على الموضوع. ويواجه جيرغوران في حال إدانته عقوبة السجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها 45 ألف يورو والتجريد من حقوقه المدنية، فيما يواجه لحود عقوبة السجن لمدة خمس سنوات والتجريد من حقوقه المدنية. وكذلك يواجه دوفيلبان إذا أدين، عقوبة السجن لمدة خمس سنوات والتجريد من حقوقه المدنية، وهي عقوبة قد لا تكون قاسية بالمطلق لكنها ضارة جداً بشخصية من أمثاله، تسعى بإصرار الى لعب دور فاعل على صعيد الحياة السياسية، والمضي في منافسة ساركوزي على رغم انتمائهما الى الأسرة السياسية اليمينية نفسها. وبمعزل عن تفاصيل وتعقيدات قضية «كليرستريم» والمفاجآت غير المستبعدة التي قد تطرأ على وقائع المحاكمة، فإن هذه القضية سياسية قبل أي شيء ويصفها البعض بقضية دولة. فتجريد دوفيلبان من حقوقه المدنية وفرض عقوبة السجن عليه، يعني عملياً تحييده نهائياً عن درب ساركوزي كمنافس محتمل له على الرئاسة سنة 2010، وهذا ما يبرر إصراره على المضي في الشكوى التي قدمها حتى النهاية.