ظلوا يلحّون عليّ بطرق مختلفة منذ تعييني في مؤسسة المصل واللقاح كي أكون مثلهن، كنت أقاوم بالابتسام تارة، وبالتجاهل تارة أخرى، أبتسم حين يعرضن عليَّ عريساً لا يهمه كوني مطلقة، لكنه يشترط أن أكون محجبة. لم أحاول الدفاع عن نفسي، أو إفهامهن موقفي أبداً، لأنهن ببساطة لن يفهمن، وهل يمكن أن يستوعبن أنني لا أحتمل شيئاً حتى ولو كان قطعة من القماش على رأسي؟ إنهن لا يعرفن ما كنت عليه في الماضي، أنا علية ناصف، الفتاة المحلقة بالكرة بعيداً، وأفضل من تقذف «السيرف» بكلوة اليد، فتندفع الكرة باتجاه الفريق الآخر وكأنها قذيفة طالعة من فوهة مدفع، فلا يستطيع أحد صدها، علية ناصف بطلة دوري المدارس لمدة ثلاث سنوات متتالية، وملكة «الفولي» كما كان يطلق عليَّ في المدرسة الثانوية. شعري من النوع الدهني، أضطر لغسله كل يوم قبل الخروج، لا أذهب إلى «الكوافير» ولا أستخدم مجففاً، فقط أمشطه سريعاً وأهرع إلى العمل، هو منزلة بين المنزلتين، لا ناعم ولا خشن، لا رائع ولا فظيع، لا ينفع في الإغواء، ولا يجلب لي الازدراء. كنت أتماهى أحياناً مع ما يلقونه عليَّ من مواعظ وأنا أبتسم، وكنت أقول لهن إنني لا احتمل أي شىء يمس قفاي. وكنت أطلب منهن منحي بعض الوقت كي أفكر في الأمر، والحقيقة فقد خاب ظني في أن أسلوبي هذا سيجعلهن ينصرفن عني، فمنذ أيام، وبينما كنت مشغولة باستلام بعض الأمصال، عدن جميعاً من صلاة الظهر التي لا تستغرق عادة أكثر من ربع الساعة، لكنهن غابوا عن العمل بسببها ساعة كاملة، قضين وقتاً منها في شراء خضار وفاكهة سيحملنها إلى منازلهن بعد انتهاء يوم الشغل، كانت الأستاذة فوزية وكيلة القسم والتي يدلعونها بفيفي، تتقدمهن حاملة علبة غاتو وتورتة وخلفها الحاجة نتيلة المشهورة بارتداء أحجبة مطرزة بلون البطيخ تحمل بيدها شنطة هدايا. تقدمن جميعاً نحوي وأحطن بمكتبي الذي وضعت فيفي التورتة عليه، وبينما بدأت في فتح العلبة أخذن بالغناء: «هابي بيرث داي تويو... سنة حلوة يا جميل». بعدها أطلقت نتيلة زغرودة بحركة حماسية، ثم مدت يدها لشنطة الهدايا، لتخرج قطعة من القماش الاصطناعي الخفيف بلون البنجر، وقالت: عقبال ميت سنة يا علية، قلنا نعمل لك مفاجأة في عيد ميلادك، الواحد والثلاثين، ثم واصلت الزغاريد. صفق الجميع بابتهاج مفتعل، بينما اقتربت مني نتيلة فاردة القماش محاولة وضعه على رأسي بحركة مسرحية واضحة. أجفلت مبتعدة عنها بسرعة، قلت لها بحزم وأنا أمد يدي بدوري إلى حقيبة يدي الكبيرة لأخرج منها برنيطة بلون الشمس وضعتها على رأسي. - خلاص يا جماعة، أنا قررت أحط حاجة على راسي. ثم انني أخذت أضحك بينما بقين صامتات ينظرن إليَّ بدهشة.