في مرمى عدسة كاميرا مرفوعة على عمود قبالة التقاطع الذي يربط نزولاً الشارع المتفرع من مبنى «ستاركو» الشهير في قلب بيروت بالشوارع الممتدة شمالا وجنوباً وغرباً باتجاه الطريق البحرية، وفي منطقة أمنية بامتياز، استهدف انفجار «وقح» صباح أمس سيارة الوزير السابق محمد شطح (المستشار السياسي للرئيس السابق للحكومة سعد الحريري) أثناء عبوره من دون أي مواكبة أمنية ولا سيارة مصفحة، مودياً بحياته وحياة سائقه طارق بدر و4 ضحايا آخرين صودف وجودهم في المكان، وموقعاً عشرات الجرحى في سيارات عابرة وفي عشرات المكاتب والمنازل في الأبنية المحيطة. الانفجار الذي هز بيروت في التاسعة والدقيقة ال40 قبل الظهر، في ظل خطة أمنية مفترضة تزامناً مع الأعياد تحسباً لانفجارات أو عمليات إرهابية محتملة، ترك الأجهزة الأمنية أولاً والسياسية ثانياً في حال صدمة، والمواطنين في حال ذهول وإحباط. حين وقع الانفجار الهائل كان اجتماع لجنة متابعة «إعلان طرابلس» في «بيت الوسط»، الذي يقع على بعد مئات الأمتار، قد اكتمل حضور أعضائه باستثناء الوزير شطح (وتردد أنه كان اعتذر عن عدم حضور الاجتماع وإنما كان يقصد مكتبه في المكان نفسه). الدخان الأسود الذي تصاعد من مكان الانفجار والنيران التي اندلعت في السيارات ومشهد الجرحى والأشلاء المدماة أو المحروقة، أخرت معرفة المستهدَف من الانفجار، إلى حين وجد أحد المسعفين في المكان الدفتر العائد لسيارة الوزير شطح وكتب عليه رقم السيارة (364/ج) وهي من نوع نيسان «إكس ترايل» موديل 2011 وتحمل اسمه الكامل: محمد بهاء محمد حسين شطح. وقال المسعف ل «الحياة» في موقع الانفجار، إنه «كان من الصعب التعرف إلى الضحايا لكثرة التشوهات، وتعرفنا إلى الوزير شطح من هويته». في اللحظات الأولى للانفجار لم يتقدم أحد من المكان، وقال إبراهيم، وهو موزع للخبز على المطاعم الموجودة في المحيط ل «الحياة»، إنه كان يغادر محيط بناية «ستاركو» بعدما وزع الخبز على محطة «رولز رويس» التي تقع أسفل المبنى، حين أحس بضغط كبير ثم سمع صوت انفجار، والتفت فشاهد دخاناً هائلاً يتصاعد من الطريق وسمع صوت انفجار ثان ثم أصوات أبواب ونوافذ زجاجية «تفرقع» وأصوات أجهزة إنذار في السيارات المتوقفة، وقال إنه خشي أن يتقدم باتجاه الانفجار خوفاً من وقوع غيره، وإنه شاهد سائق سيارة من نوع جيب «لاند بلايزر» تحطمت وسط الطريق نزل منها وهو سالم، كما شاهد قتلى على جانبي الطريق وجرحى يئنون ويطلبون المساعدة، وسرعان ما هرعت سيارات الإسعاف والإطفاء لإخماد الحرائق ونقل المصابين. وتناثرت شظايا السيارة المنفجرة في شعاع يفوق ال60 متراً، وبعضها سقط عند مدخل أحد أبنية «ستاركو» التي تحطمت كل واجهاتها الزجاجية وزجاج نوافذ مكاتبها وتقع فيها المكاتب الخاصة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومكاتب وزارات الثقافة والتنمية الإدارية والمهجرين وبعض مكاتب وزارة الأشغال العامة ومكاتب لجنة مهرجانات بيت الدين ومكاتب الهيئة العليا للإغاثة. الحصيلة النهائية للضحايا 6 قتلى، وهم إضافة إلى شطح ومرافقه بدر، محمد منصور وشخص سوري واثنان لم يتم التعرف إلى هويتيهما. أما عدد الجرحى فتجاوز ال70 جريحاً، معظمهم بسبب تناثر الزجاج، إذ إن معظم الأبنية المحيطة واجهاتها زجاجية، وأمكن إحصاء تضرر ستة مبان (3 سكن و3 مكاتب) و14 محلاً تجارياً و42 سيارة. ونقل معظم ضحايا الانفجار إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الأقرب إلى مكان الانفجار، وغادر معظم الجرحى المستشفى بعد المعالجة، فيما تعالى نحيب الأمهات والزوجات اللواتي تعرفن إلى قتلاهن، ولا سيما والدة السائق بدر، ما أضفى على المكان حالاً من الحزن الشديد. وعال ج مسعفو الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني بعض المصابين في موقع الانفجار بسبب جروحهم الطفيفة. وقالت ارملة الراحل شطح نينا ميقاتي لمحطة «أل بي سي» بعد التعرف الى جثة زوجها في مستشفى الجامعة الاميركية أن «محمد قتل لانه مهذب ومتعلم وآدمي عمل سفيراً ودكتوراً ووزيراً ولكن ليس شهيدا، الله كبير واقول لأولادي الوطن باق كما اراده محمد». وغطى حطام الواجهات الزجاجية الأرصفة والطرق، وشُرِّعت أبواب «بنك قطر الوطني» ومحلات تجارية ومكاتب في مجمع ستاركو. التحقيقات الأولية وزنرت القوى الأمنية موقع الانفجار بالأشرطة الصفر، وحضرت عناصر الأدلة الجنائية لمعاينة المكان وسحب الأدلة وبقايا السيارة المنفجرة والسيارات المتضررة، كما حضر عناصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وكذلك استقصاء بيروت ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني. وعاين النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مكان الانفجار، وكلَّف الأخير مديرية المخابرات في الجيش والشرطة العسكرية التحقيق في مسرح الجريمة، فيما تولت شعبة المعلومات والأدلة الجنائية الاستقصاء وجمع المعلومات وتحليل كاميرات المراقبة التي ضبطت في مكان الانفجار ومحيطه. ووفق التحقيقات الأولية، فان الانفجار ناجم عن عبوة فخخت بها سيارة من نوع «هوندا سي آر في» زيتية اللون، تبين أنها مسروقة، وقدرت بنحو 50 كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار وفجرت بواسطة آلة تحكم من بعد. كما أظهرت المعلومات الأولية، بعد مراجعة بعض الأشرطة المصورة، أن سيارة كانت مركونة في المكان أتى من نقلها لتوضَع مكانَها قبل ساعة ونيف من مرور سيارة شطح سيارةُ الهوندا المفخخة. واعتبرت مصادر التحقيق أن الفاعلين عمدوا في فترات سابقة إلى مراقبة تحركات شطح والطرق التي يسلكها قبل أن يحددوا المكان والزمان لاغتياله، مشيرة إلى أن شطح لم تكن برفقته أي مواكبة أمنية سوى عنصرين من جهاز أمن الدولة. وعاين وفد من الشرطة العسكرية التابعة للأدلة الجنائية جثة شطح في براد المستشفى. وأعلن «فوج إطفاء بيروت» أن قوة كبيرة منه توجهت إلى مكان الانفجار وأخمدت النيران المندلعة بعدد من السيارات وسيطرت تماماً على النار وأخلت الجرحى من الابنية المتضررة. ونقل 4 جرحى إلى مستشفى الوردية وجريح إلى مستشفى «أوتيل ديو»، كما نقلت ثلاث جثث مشوهه ومجهولة الهوية إلى مستشفى الجامعة الأميركية، وجثة مجهولة الهوية إلى مستشفى كليمنصو. شربل: «هيك رح نقضّيها» وتفقد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، موقع الانفجار وقال: «دائما هناك استنكار وكلمة الله يرحمه وإن شاء الله في أسرع وقت ممكن يخرج الجرحى من المستشفيات، «هيك رح نقضيها» ولا أعرف متى سننتهي من هذه المشاهد». وشدد على وجوب «أن نجلس ونتحاور بعضنا مع بعض، وهذا هو الحل السياسي الوحيد».