في سياق تطوّر المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، ينظر إلى تقنية «حوسبة السحاب» Cloud Computing بصفتها المساحة الأكثر حضوراً وتقدّماً في مساراتها. وتستند تلك التقنية إلى فكرة تحويل الإنترنت إلى مخزن رقمي هائل للبيانات والمعلومات والإعلام والنصوص والأشرطة، سواء صنعها أفراد أو مؤسّسات أو حكومات. بذا، تصبح الإنترنت هي مساحة العمل يوميّاً للجميع، خصوصاً أنها تتيح الوصول إلى تلك «السحب» من البيانات، بغض النظر عن الزمان والمكان. إنها الرهان التقني الأبرز في العوالم الرقميّة، وفق ما ظهر في «أيام التقنيّة» («تيك دايز 9» Tech Days 9) التي أدارتها شركة «مايكروسوفت» العملاقة، في حرم «الجامعة الأميركية». تفاؤل بالغد عبر نقاشات شتى، بيّنت «مايكروسوفت» أنها تتوقع نمو سوق «حوسبة السحاب» إلى 240 بليون دولار عام 2020، ما يفرض على الجميع التنبّه لأهمية تلك التقنية المتقدّمة. ولعل القامة الهائلة التي تمثّلها شركة «مايكروسوفت» في عوالم الكومبيوتر، تفرض أن يجري أخذ ذلك التنبيه باهتمام يتناسب مع صدوره من شركة تضع نظامها لتشغيل الكومبيوتر «ويندوز»، في ما يزيد على 95 من الكومبيوترات عالميّاً، إضافة إلى تمرّسها المديد في صنع البرامج والأدوات والوسائل والتطبيقات الرقميّة المتنوّعة. ولم تمنع الفجوة الرقميّة الواضحة التي تفصل الدول العربيّة عن ركب التقدّم العلمي في التقنيّات الرقميّة، الخبير غسان شاهين، وهو مدير استراتيجيّة مطوّري برامج الكومبيوتر في «مايكروسوفت - لبنان»، من التفاؤل بالقدرات الواعدة عند الشباب اللبناني في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. إذ تسيّدت «حوسبة السحاب» وآفاقها وتقنيّاتها، أجواء «تيك دايز 9»، حيث برزت بشدّة صورة المنصّة الرقميّة ل«آزور» Azure التي صنعتها «مايكروسوفت» ل «حوسبة السحاب» وجعلتها مرنة ومفتوحة، ما يعني أنها تفيد واضعي برامج الكومبيوتر وصُنّاع التطبيقات الرقميّة بأنواعها كافة، خصوصاً تلك التي تعمل عبر الإنترنت. ومن المستطاع الاطّلاع على المواصفات التقنية الكاملة للمنصة على موقع «آزور.مايكروسوفت.كوم». وتضمّنت أيام «تيك دايز 9»، عقد دورات تدريبيّة عن «حوسبة السحاب»، ركّزت على الطرق التي يستطيع بواسطتها الشباب اللبناني الاستفادة من الإمكانات والقدرات التي توفّرها منصة «آزور» المخصّصة ل «حوسبة السحاب». وركّزت «مايكروسوفت» أيضاً على تدريب الشباب في شأن استخدام منصّة «آزور» السحابيّة في صنع تطبيقات للهواتف النقّالة، خصوصاً الهاتف الذكي «ويندوز 8.1» الذي تنتجه «مايكروسوفت». جاء في السياق نفسه، التدريب على التعامل مع التطبيقات الرقميّة التي تشتغل استناداً إلى نظام «آندرويد» الشهير، وكذلك الحال بالنسبة لتطبيقات مستندة إلى نظام «آبل»، على رغم المنافسة بين تلك الأطراف كلها. وأعطى التدريب على تطبيق «وان درايف» المستند إلى تقنية «حوسبة السحاب» نموذجاً من ذلك الأمر. إذ أعلنت «مايكروسوفت» أنها تقدّم مساحات تخزين مجانيّة كبيرة لمستخدمي «ويندوز وان درايف» Windows One Drive، عند وضعهم ذلك التطبيق على منصات «آندرويد» و «آبل». وبدا الأمر لافتاً لأنه تزامن مع إطلاق «آي فون 6»، ما يعني تمكين عشّاق ذلك الهاتف من الحصول على الميزات التي يقدّمها «وان درايف»، خصوصاً في تبادل الصور وأشرطة الفيديو. وكذلك شرحت شركة «مايكروسوفت» بصورة عمليّة، كيفية الاستفادة من أكاديميتها الافتراضيّة على الإنترنت، وكذلك الحال بالنسبة لاستعمال قواعد بياناتها على الشبكة العنكبوتيّة. وفي منحى عملي، عبّر رجل الأعمال اللبناني أوهان أوموديان، عن قناعته بأهمية تقنيّات «مايكروسوفت» في «حوسبة السحاب»، خصوصاً منصة «آزور» وبرامجه، بالنسبة للمسقبل الذي رأى أنه سيشهد انتقالاً متصاعداً للأعمال إلى الإنترنت و «سُحُبها» الرقميّة. حرب على «إيبولا» من المؤشّرات على نمو تقنيّات «السحاب» في الشرق، توقّع خبراء بأنها ستسجل نمواً متسارعاً في منطقة الشرق الأوسط، يقارب 79 في المئة سنويّاً. وكذلك يتوقّع أن يترافق ذلك النمو مع ارتفاع الحركة عبر مراكز البيانات السحابيّة على الإنترنت إلى ثلاثة أضعاف، بمعنى ارتفاعه من 214 إكزابايت شهرياً خلال عام 2012، إلى 644 إكزابايت شهرياً عام 2017. (تمثل ال «إكزابايت» exabyte وحدة لقياس الكميات الكبيرة من السعات الرقمية، لأن ال «إكزا» يساوي واحداً إلى يمينه 18 صفراً). ويصف «مؤشّر سيسكو سيستمز» العالمي ذلك النمو بأنه يسير بمعدل 25 في المئة سنوياً، متوقّعاً أن تنهض «حوسبة السحاب» بمعالجة ثلثي أعباء الأعمال التي ستُجرَى عبر الإنترنت. واستطراداً، تركّز شركة «سيسكو سيستمز» العالميّة على تقديم تجهيزات متطوّرة وسهلة ومتوافقة مع «حوسبة السحاب»، كبرنامج «إس دي آن 2.0» الذي تنتجه الشركة، ويستند إلى هندسة شبكيّة تقدر على تسهيل حركة البيانات الكبيرة عبر الإنترنت، بما يقارب ال80 في المئة. في الأيام البيروتيّة عينها، نالت موجة وباء «إيبولا» المنفلتة في دول ساحل غرب أفريقيا، مساحة واسعة من اهتمام «تيك دايز 9»، ولربما ساهم في ذلك وجود جالية لبنانيّة كبيرة في تلك الدول المنكوبة بالوباء. وكذلك تبذل «مايكروسوفت» جهوداً كبيرة في محاربة «إيبولا». إذ لفتت إلى أنها تقدّم تطبيقات رقميّة لدعم الأطباء والباحثين والعاملين في مجال مكافحة «إيبولا». وكذلك شدّد ساتيا ناديلا، وهو مدير البرامج في «مايكروسوفت» في تصريحات إعلاميّة متنوّعة، على أن الشركة تضع إمكانات منصة «آزور» السحابيّة في تصرف المجتمع البحثي المهتم بمكافحة «إيبولا»، مبدياً أمله في أن تساعد تلك المنصة على الوصول إلى لقاح يحمي من «إيبولا». والاطلاع على شبكة مراكز بيانات «مايكروسوفت» الواسعة ربما يساعد الباحثين الذين يتطلعون إلى تخزين وتحليل مجموعات كبيرة من البيانات التي يصعب دراستها باستخدام أجهزة الكمبيوتر والشبكات المحلية وحدها.