طالب أمس نحو 40 ألف متظاهر في واحدة من كبريات ساحات العاصمة السويسرية برن حكومة بلادهم بضرورة النظر إلى الوضع الاقتصادي بمزيد من الواقعية بعد تفاقم تداعيات الأزمة المالية العالمية، والاستفادة من الدروس التي قادت إلى الكارثة، منتقدين تجاهل الحكومة لعلاج أسبابها، ما ينذر بتفاقم الظروف المعيشية للعمال وصغار الموظفين وشريحة كبيرة من الشباب يقفون على أبواب البطالة في مستهل حياتهم المهنية. وانتقد المتظاهرون هرولة الحكومة السويسرية لإنقاذ المصرف العملاق «يو بي أس» بنحو 60 بليون دولار لمنع انهياره، بينما لم تحرك ساكناً لوقف ارتفاع أكلاف الرعاية الصحية في البلاد، إذ يُتوقع وصول متوسط معدل الزيادة في هذه الأكلاف السنة المقبلة إلى نحو 1500 دولار سنوياً للأسرة الواحدة، في وقت تمنح فيه الحكومة تسهيلات في الضرائب لذوي الشريحة العالية من الرواتب، بينما تترك المواطن العادي يعاني من الغلاء وشبح البطالة، وفقاً لوصف قادة نقابيين. وأكد النقابيون في كلمات ألقوها في المتظاهرين أن «عدم مواجهة ارتفاع أسعار الخدمات سيؤدي إلى تراجع القوى الشرائية وسيضر بالسوق والاقتصاد الوطني بشكل بالغ، إذ لا يقتصر مفهوم دعم الاقتصاد على رعاية اهتمامات رجال الأعمال والمديرين وأصحاب الشركات وكبار المستثمرين، بل من يحركون الآلة الاقتصادية وهم العمال». ويطالب تحالف من «الحزب الاشتراكي» والنقابات العمالية والمهنية بدعم مالي قوي يصب في الشبكات الاجتماعية لمجالات الصحة والتعليم وصناديق التقاعد وإعانة ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصاً ان نسبة البطالة التي بلغت 5.2 في المئة مرشحة للزيادة وصولاً إلى أكثر من ستة في المئة، وفقاً لخبراء، وهي نسبة قياسية بالنسبة إلى سويسرا، التي يعتمد 50 في المئة من دخلها القومي على التصدير. ووصف اتحاد النقابات تقليص مساعدات البطالة بأنه «تصرف غير مسؤول وخطوة تعكس سذاجة سياسية واقتصادية في التعامل مع تبعات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية». وحذر اتحاد النقابات من «النظر إلى بعض المؤشرات الإيجابية في أسواق تداول الأسهم والسندات على أنها نهاية الأزمة»، منتقداً سلوك ما وصفها ب «النخبة الاقتصادية وتوابعها من النخبة السياسية، حيث يتنافس مديرو المصارف ويؤيدهم بعض السياسيين للحصول على مكافآت بأرقام فلكية وكأن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لم تكن أو لم تصب شظاياها أكثر قطاعات الاقتصاد السويسري حساسية». وأكد دانيال لامبار، المسؤول في اتحاد النقابات السويسرية، في مقابلة أجرتها معه «الحياة» على هامش التظاهرة أن جميع المتظاهرين «مقتنعون بأن أسباب الأزمة تكمن في فلسفة الليبيرالية الاقتصادية الجديدة التي حرصت على تراكم رأس المال والبحث عن الربح السريع ما أدى إلى الابتعاد عن اقتصاد الواقع والغوص في الصفقات والمضاربات المحفوفة بأخطار عالية». واتهم لامبار الدولة ب «إهمال مسؤولياتها الاجتماعية والقضاء على قطاعات متعددة من الخدمات العامة، من ضمن التداعيات السيئة لليبيرالية الاقتصادية على مجالات كثيرة». وعبّر عن تخوف العمال السويسريين من تكرار الأسباب ذاتها التي أدت إلى الأزمة واستمرار هيمنة رأس المال على تفكير السياسيين وتوجهاتهم، «ما يعني أننا نسير في الطريق الخطأ ولا نتعلم من الدروس».