أوضح رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى النقد الذي ينظمه نادي الرياض الأدبي الدكتور صالح زياد أن أكبر أسباب العشوائية والفوضى في الملتقيات التي تنظمها الأندية الأدبية ناجمة عن تحويلها إلى «ضيافة»، أي مناسبة للتباهي بالكرم وكثرة المدعوين، متمنياً أن ينجو ملتقى «أدبي الرياض»، الذي ينطلق خلال الفترة المقبلة، من هذه الفوضى. وقال زياد في حوار مع «الحياة» إن ملتقى النقد الذي ينطلق قريباً سيحرص في ما يخص الأوراق المشاركة ألا يلقى الكلام على عواهنه، مطالباً بدرجة من الصلابة في المرتكز النظري واستيعاب الإجراءات المنهجية. ولفت إلى أنه ينبغي فحص الانتقادات وتمييز الصادق منها من الكيدي. إلى نص الحوار. بصفتك رئيس للجنة التحضيرية في ملتقى النقد الذي ينظمه نادي الرياض الأدبي، ما الجديد على صعيد الاستعداد؟ - نحن الآن بصدد استقبال البحوث وتقويمها. والمنتظر أن يصلنا 34 بحثاً سبق أن تقدم أصحابها بملخص أفكارها وعناوينها المقترحة ووافقت اللجنة عليها. واللجنة تنوي استباق موعد الملتقى بطباعة ملخصات البحوث وسير أصحابها في كتيب يضم إلى ذلك فلسفة اللجنة العلمية لموضوع الملتقى هذا العام ومحاوره، إضافة إلى تاريخ ملتقى نادي الرياض الأدبي الذي يندرج الموضوع هذا العام في سياقه المتصل، وهذه هي دورته الخامسة. محور الدورة الجديدة حول الرواية. ألا ترى أن الرواية أخذت الكثير من الاهتمام في ملتقيات أخرى ومنها ملتقى نادي الباحة الأدبي؟ - درس الرواية هنا ليس الموضوع المباشر للملتقى، كما هو الحال في ملتقى نادي الباحة الذي اتخذ الرواية بوصفها منتجاً إبداعياً مادة له. الرواية في ملتقى نادي الرياض هي موضوع الموضوع أو لنقل هي لازمُه الذي تفضي إليه العلاقة بشيء آخر وهو النقد الذي اتجه إلى درسها. واتخذ نادي الرياض من «نقد النقد» موضوع اختصاص له، وهذه ميزته، ومدار التحدي الذي يتصدى له، لأن «نقد النقد» حقل جديد وليس واسع الانتشار والممارسة. وأعتقد أن الكثير من المقولات المتعلقة بالرواية ومنها الملحوظة المتكررة عن تزايد الاهتمام بالرواية أو استئثارها بملتقيات عدة، أو حضورها المتزايد في المملكة مقارنة بغيرها من الأنواع الأدبية، هي مقولات نقدية تندرج ضمن النقد المتجه إلى الرواية في تمثيل مادة بحاجة إلى الكشف والتحليل. في رأيك، كيف يمكن ضبط الأبحاث المشاركة من ناحية الجودة والعمق وملامسة محاور الملتقى في شكل دقيق، وليس مجرد بحث عام لأجل المشاركة؟ - هناك ضوابط منهجية عامة يمكن أن نلخصها في عبارة واحدة، هي «ألا يُلقَى الكلام على عواهنه». ولكن في إطار ذلك هناك درجات متفاوتة من البصيرة النقدية وصلابة المرتكزات النظرية واستيعاب الإجراءات المنهجية والاهتداء إلى زوايا نظر متفردة أو غير ظاهرة على السطح، وبذل الجهد في رصد مادة الدراسة ومتعلقاتها، وبالطبع لا يستطيع أي ملتقى أن يجمع الباحثين في مستوى واحد، لأن التفاوت والاختلاف سمتان حاضرتان في مادة التقويم وفي التقويم نفسه. وفي هذه الخاصية تحديداً – أعني اختلاف الباحثين وتفاوتهم - نجد أحد أبرز الأسباب التي تقام لأجلها الملتقيات. هناك حدّ أدنى من التماسك المنهجي يجب ألا نفرط فيه، أما العلاقة بموضوع الملتقى ومحاوره فقد سعينا إلى ضبطها في إجازة المواضيع التي اقترحها الباحثون لأوراقهم. في حال لم يتقدم أي من الأسماء الجادة، هل في وسعكم توجيه الدعوة لها خصيصاً، فبعض النقاد لا تستهويه فكرة التقدم من نفسه، ويفضل كإرضاء لغرور الناقد أن يُدعى؟ - هناك فرق بين الأسماء الجادة والمهمة فعلاً، والأسماء التي ترى هي أنها «مهمة» و«جادة» أو أن لديها ما يوجب أن تشد إليها «المطايا». سيكون مدهشاً لك أن تعرف أسماء جادة بمقاييس التأليف والانضباط المنهجي تقدمت بملخصات أوراقها إلى اللجنة بكل تواضع. لكن يحدث أحياناً أن تقل هذه الأسماء أو ألا يصلها خبر الملتقى أو موضوعه، وحرصاً من اللجنة على هذه الأسماء البارزة فقد قامت باختيار نخبة منهم في قائمة مطوَّلة تم تسليمها لإدارة النادي وما زلنا نتدارسها بحثاً عن توازنات في تشكيلة المشاركين، وعن عدد يناسب الوقت المخصص للملتقى والاستعدادات التي يملكها. كيف يمكن لملتقى نادي الرياض أن ينجو من الانتقادات التي طاولت ملتقيات الأندية الأخرى نظراً لما شابها من عشوائية وضعف في التنظيم واختلاط الحابل بالنابل على صعيد المشاركات؟ - لا أستطيع أن أستبق إقامة الملتقى لأعرف إن كان سينجو فعلاً من الانتقادات! ما أعرفه هو أن الانتقادات ينبغي أن يتم فحص الصادق منها من الكيدي، والمسؤول منها من المجاني. أكبر أسباب العشوائية والفوضى في الملتقيات تنتج من تحويل الملتقى إلى «ضيافة» أي إلى مناسبة للتباهي بالكرم وكثرة المدعوين. من هذه الزاوية تحديداً تتكاثر في المملكة الملتقيات وتأخذ صبغة احتفالية، وأرجو أن ينجو ملتقى نادي الرياض منها، وأن يكون ملتقى للحفاوة بالأطروحات الجادة والفكر والإبداع والتميز. لماذا دائماً ينظر إلى الأكاديميين نظرة سلبية على الصعيد النقدي، وعلى صعيد مشاركاتهم في الملتقيات مع أن أهم النقاد وأبرزهم أكاديميون. من أين جاءت هذه النظرة السلبية، ومن السبب فيها؟ الأكاديميين أنفسهم أم المجتمع الثقافي؟ - علينا أن نفرق بين «الأكاديمية» إجمالاً وبين ما تتصف به رؤى بعضهم من جمود ومدرسية ضيِّقة. لقد كانت معظم الأسماء الطليعية في النقد والإبداع أكاديمية مثل نازك الملائكة وأدونيس وعبدالعزيز المقالح وواسيني الأعرج وعبدالله العروي وتي إس إليوت ورولاند بارت وجوليا كريستيفا وإدوارد سعيد. النظرة السلبية للأكاديميين لدينا جاءت من زاويتين: غلبة صورة المعلِّم المتسلط بآرائه وصاحب المزاج المحافظ على عدد من النقاد الأكاديميين، والثانية الوجهة المنهجية في النقد الأكاديمي التي تتحاشى إظهار انطباعاتها تجاه النصوص التي تقرأها، وهذه الانطباعات تحديداً مظهر محبب للكتاب ولجمهور القراء في الممارسة النقدية. لكن المفاجأة هنا أن النقد الأكثر رسوخاً وثقة هو النقد الذي يجمع في وقت معاً بين صناعة معرفة تصح لدى الغير بالأعمال التي يدرسها، وبين الانفتاح على أعمال غير مألوفة. وهذه صفة أكاديمية ذات قيمة حتى وإن أخفق بعض الأكاديميين في تمثُّلها وتمثيلها.