بدأت معالم السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية والقضية الفلسطينية تتضح شيئاً فشيئاً، لتضع حداً لتفاؤل كل من راهن على دور أميركي جديد سيلعبه الرئيس باراك أوباما يتسم بالنزاهة والحياد، طاوياً بذلك صفحة الانحياز الأعمى للدولة الصهيونية ومصالحها. فشعار التغير الذي رافق حملة أوباما الانتخابية، وبدأ جولاته الخارجية بزيارة دول إسلامية في الوقت الذي امتنع فيه عن زيارة إسرائيل، وتعيينه مبعوثاً خاصاً للسلام في الشرق الأوسط، كل ذلك كان من شأنه أن يلهب خيال أغلب الساسة العرب مما دفعهم الى رفع سقف توقعاتهم عالياً في ما يخص حل الصراع والتوصل إلى تسوية أساسها المبادرة العربية. وبلغ الأمر ذروته في أعقاب الخطاب الشهير الذي ألقاه في جامعة القاهرة واستقباله البارد لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والموقف الذي بدا حازماً من قضية الاستيطان. وبينما كان العرب ينتظرون خطة أوباما للسلام بفارغ الصبر ويروّجون لها بعد كل لقاء وزيارة إلى واشنطن، قام بخطوات أعادت الحالمين والواهمين إلى أرض الواقع السياسي. فالضغط الذي مورس على الدول العربية للحصول على خطوات تطبيعية في مقابل تعهد إسرائيلي بتعليق جزئي وموقت للنشاط الاستيطاني، والذي يمثل منتهى ما استطاع أوباما ومبعوثه ميتشيل الحصول عليه بعد لقاءات ومواجهات سياسية مفتعلة مع الحكومة الإسرائيلية، والموافقة على ربط مدة ذلك التعليق الشكلي بحجم ما سيقدمه العرب من امتيازات تجارية وسياسية لإسرائيل، واستثناء القدس من هذه التفاهمات، وتجاهله لمصادقة تل أبيب على بناء مئات الوحدات السكنية في الضفة الغربية قبيل إعلان التعليق المرتقب والإصرار على استئناف المفاوضات بأي شكل، كل ذلك أدى إلى كشف زيف ادعاءات أوباما، وأثبت، صدق من حذّر من توجهاته السياسية. إن الخطورة في السياسة الأميركية الجديدة تتمثل في الخداع، فتحديد جدول زمني لقيام الدولة الفلسطينية والتدخل الأميركي المزمع في المفاوضات والتفاهمات الصورية التي ستعلن مع الجانب الإسرائيلي، والإشادة في كل مناسبة بما يسمى بالتسهيلات الإسرائيلية الاقتصادية للفلسطينيين، والحديث المتكرر عن نافذة فرص لا بد من اغتنامها والسعي الى تحقيق سلام إقليمي، كل ذلك يرمي إلى الإيحاء بوجود حراك سياسي في المسيرة السلمية سيدفع بالدول العربية لتنكفئ إلى موقع المانح والمطبع خشية أن توصم بتهمة التعطيل وعدم النضج والمس باستقرار المنطقة وتقوم بنفسها بمهمة تعديل مبادرتها للسلام وأن توافق ضمنياً على تقزيم وحصر القضية والحقوق الفلسطينية بإزالة بؤرة استيطانية هنا أو هناك وبتحسين الأوضاع المعيشية لسكان الضفة الغربية. ومما يجعل عوامل خطورة تلك السياسة تتصاعد وجود أطراف فلسطينية تتسق مع هذا الخداع الأميركي ارتضت لنفسها الضلوع بدور الوكيل لتنفيذه، فقامت بتهيئة الساحة الفلسطينية أمنياً بواسطة الاعتقالات وملاحقة القيادات الفلسطينية الوطنية وتصفية المقاومين، وأيضاً سياسياً، وهذا ما يدلل عليه مؤتمر «فتح» السادس. وقد نجد أنفسنا في موعد تنفيذ استحقاقات خطة أوباما للسلام أمام مقولة «ليست هناك مواعيد مقدسة»، والتي عودتنا أميركا وإسرائيل كثيراً عليها، أو أمام إنجازات شكلية تتمثل بهيكل فارغ من المضمون يسمى الدولة الفلسطينية، مع تطبيع شامل مع إسرائيل وتنازل عن القدس وحق العودة لللاجئين. وقد بلغ الخبث الأميركي مداه بمحاولة احتواء محور الممانعة من خلال اعتماد سياسية الحوار مع عواصم هذا المحور بغية تحييدها، وإشغال المقاومة تارة بدعوات الانفتاح على الغرب، وأخرى بصراعات ثانوية مع بعض التيارات.