منذ بداياتها المسرحية الأولى، كشفت الفنانة كارول سماحة عن موهبة فذة واستثنائية وبشّرت بولادة نجمة حقيقية في عالم المسرح في شكل عام والاستعراضي منه في شكل خاص، وهكذا سرعان ما حلت بطلةً في أعمال منصور الرحباني وأبنائه، قبل أن تأخذ قرارها الجريء بالسير منفردة على درب الجلجلة الفنية الملأى بالأشواك والحصى، لكن الفنانة الشابة أثبتت بذكائها وحسن اختياراتها أنها قادرة على تحدي الصعاب وخوض غمار المعمعة من دون أن تذبل أو تنكسر. قدمت كارول خلالها مشوارها الفني المنفرد أغنيات لافتة ومتميزة عن السائد في عالم الغناء الجديد من حيث انتقاء الكلمات والألحان بعناية ما مكنها خلال فترة وجيزة من احتلال مكانة متميزة بين بنات جيلها، واتسمت أغنياتها بنوع من الجرأة والتحدي لجهة الموضوعات التي تشي في معظمها بانحيازها إلى نون النسوة أو تاء التأنيث من دون نكران أهمية الرجل في حياتها وفي الحياة عامة، لكنها خاطبته قائلة: «أنت حدودك هالأرض وأنا حدودي السما»، وفي كل أغنية من أغنياتها كانت ترشح ملامح التجارب الخاصة والذاتية، بمعنى أنها تغني ما تعيشه وما تختبره في حياة ليست بالسهولة التي يظنها البعض، خصوصاً متى كانت «أضواء الشهرة» (عنوان إحدى أغنياتها) تلاحق المرء أنى حلَّ أو ارتحل. فرادة كارول سماحة وتميزها سرعان ما فتحا لها الأبواب خارج وطنها لبنان، خصوصاً في «أم الدنيا» مصر حيث صارت رقماً مهماً واسماً مطلوباً في المشهد الفني العام، فمن مسلسل «الشحرورة» الذي جسدت فيه شخصية المطربة صباح إلى أغنياتها التي استطاعت الوصول إلى قلب المستمع المصري الذي يشكل شريحة لا يُستهان بها من المستمعين العرب، وأن تتسع لها القاهرة قبلة معظم الفنانين العرب، ومن ثم توجت تجربتها المصرية بالزواج برجل أعمال مصري يعمل في مجال لا يبتعد كثيراً من عالمها واهتماماتها. منذ فترة وعدتنا الفنانة اللبنانية بعمل استعراضي/ غنائي اختارت له عنوان «السيدة»، وبعد طول انتظار حلّت كارول قبل ثلاث ليال على مسرح صالة السفراء في كازينو لبنان لترتفع الستارة عن نجمة استعراضية حقيقية، وأول ما يلفت في العرض حيوية كارول ولياقتها وحضورها الذي يملأ منصة العرض فضلاً عن الكاريزما العالية التي تتمتع بها وشغفها الواضح في عينيها ومقدرتها على الإمساك بتلابيب المتلقي، وبات من الجلي أنها استفادت من خبرتها كممثلة مسرح ومن تجاربها السابقة في التمثيل «الفيديوكليباتي» حيث كانت كليباتها تحمل روحاً مختلفة عما نراه في عالم الفيديو كليب المليء بما هبّ ودبّ. كان عرض «السيدة» عبارة عن استعادة أرشيفية لمعظم أغنيات كارول التي أحببناها حين سمعناها في الأسطوانات أو شاهدناها على الشاشات، وغابت عنه أي أغنية جديدة مخصصة لعذا العرض بالذات كما كان يُفترض، أما الإخراج فحمل توقيع طوني قهوجي الذي لطالما ما أبهرنا في أعماله التلفزيونية، والأزياء حملت توقيع المصمم اللبناني المعروف زهير مراد، والرقصات أعدها الفنان سامي خوري، ولئن كنا نترك الملاحظات النقدية لأصحابها من نقاد ومختصين، فإننا نجد في العمل خطوة مبشّرة باتجاه عمل إنتاجي أكثر ضخامة وإبهاراً بما يليق بسماحة التي تتمتع بقدرات فنية وأدائية لا تجتمع ولا تتلاقى لدى كثيرين غيرها. سيدة فن حقيقي كارول سماحة، تستحق الدعم والتشجيع والتصفيق في انتظار المزيد من عروض تذكّرنا بالسيدة صباح والراحلة سعاد حسني والنجمة الدائمة شيريهان، فكارول لا تقل أبداً عن هؤلاء من حيث قيمتها الفنية وقدراتها الأدائية.