عندما يفتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وبحضور عدد كبير من زعماء العالم، وفي اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، إنما يضع اللبنة الأولى لبناء المملكة المعرفي القائم على البحث والاختراع. ومواجهة القرن ال«21» بما يتطلبه من آليات المعرفة والبحث العلمي، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين عن إنشاء هذه الجامعة في23 (تموز) يوليو 2006 في حفل أهالي الطائف، ووضع حجر الأساس لها في 21 (تشرين الأول) أكتوبر 2007، ومنذ تلك اللحظة بدأت الأنظار تتجه إلى هذه الجامعة التي ستكون رائدة في مجالها عالمياً، وبدأ يضع لها الأسس الإدارية والأكاديمية التي تساعدها على تحقيق الأهداف التي رسمت لها. شخّص خادم الحرمين الشريفين الداء في مسيرة المملكة التعليمية ووضع له الدواء من خلال إنشاء وتطوير الجامعات، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام «تطوير»، ورعاية الموهوبين، وغيرها من البرامج التطويرية التعليمية الأخرى، ليأتي إنشاء مثل هذه الجامعة البحثية التي نحن في أمس الحاجة لها، خصوصاً ونحن مقبلون على القرن ال«21»، الذي سيرتكز على المعرفة والتقنية، ليكون خاتمة المشاريع التطويرية للتعليم العالي، ويبرز الهدف من إنشاء الجامعة، وهو البحث والاختراع وتطويرهما ووضع اللبنات الأولى لهما، واستقطاب الكفاءات التعليمية من أرجاء المعمورة كافة، سواء دارسين أو مدرسين، حيث حدد ذلك في رسالته التي وجهها للجامعة بقوله: «ورغبة مني في إحياء ونشر فضيلة العلم العظيمة التي ميزت العالمين العربي والإسلامي في العصور الأولى، فقد رأيت أن أؤسس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية». وأضاف: «وستمثل الجامعة، باعتبارها «بيتاً جديداً للحكمة»، منارة للسلام والأمل والوفاق، وستعمل لخدمة أبناء المملكة ولنفع جميع شعوب العالم عملاً بأحكام ديننا الحنيف، حيث يبين لنا القرآن العظيم أن الله تعالى خلق بني آدم من أجل أن يتعارفوا»، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا». إن اقتصار جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية على الدراسات العليا والبحث العلمي في العملية التعليمية، يعني الاهتمام بالبحث العلمي واكتساب آلياته وتطويرها، والاستفادة منها لبناء مهارات الباحثين والمخترعين السعوديين، من خلال تلمس احتياجاتهم وخلق بيئة بحثية لهم تساعدهم على التطوير والإبداع وجلب الخبرات العالمية لهم عن طريق هذه الجامعة التي ستصبح أحد المراكز البحثية العالمية، وأحد حواضن البحث العلمي والاختراع في المنطقة، لتسهم في التنمية المستدامة في المملكة، التي هي جزء من رسالتها، وذلك برعايتها للبحوث وإلابداع والاختراع التي تساعد وتسهم في نجاح خطط التنمية في المملكة ودول العالم الأخرى. لقد تم وضع نظام جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الإداري والأكاديمي بحيث لا يقتصر على العنصر الوطني سواء في القبول أو الإدارة، مما يثري هذين الجانبين، ويجعلهما محفزين لها للانطلاق في المجالين الإداري والأكاديمي، لتصبح معلماً عالمياً في المعرفة، خصوصاً ما يتعلق بالبحث العلمي والاختراع وتطوير ونقل المعرفة والتقنية، وعدم اقتصارها في القبول على أبناء المملكة، لذلك جاء اختيار البروفيسور تشون فونج شيChoon» Fong Shu» من سنغافورة ليقود الجامعة نحو أداء رسالتها العالمية، خصوصاً بعد نجاحه المتميز في جامعة سنغافورة الوطنية، التي حولها خلال فترة وجيزة إلى جامعة بحثية عالمية. لقد جاء اختياره بعد بحث وتقصٍ من لجنة شُكلت لاختيار مدير لهذا المركز العلمي المتميز، فهو خريج جامعة هارفارد العريقة وعمل في التدريس والبحوث في الولاياتالمتحدة، سواء كأستاذ جامعة أو باحث في المراكز البحثية العريقة في الولاياتالمتحدة الأميركية. إن وجود البروفيسور شين أعطى للجامعة زخماً لانطلاقها نحو العالمية منذ لحظة تأسيسها وهو الهدف الذي أنشئت من أجله. وتقوم جامعة الملك عبدالله بتحقيق خطتها البحثية من خلال أربعة محاور استراتيجية تركز على مجالات العلوم والتقنية التي تهم المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم، وهي: الموارد والطاقة والبيئة، والعلوم البيولوجية والهندسة البيولوجية، وعلم وهندسة المواد، والرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية. وقد بدأت الدراسة في الجامعة يوم السبت الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري ب 400 طالب وطالبة من مختلف الجنسيات بينهم 100 طالب سعودي، يقوم بالإشراف عليهم 80 أستاذاً جامعياً من ذوي المستوى العالمي. العلم والتقنية هما مفتاح النجاح والمستقبل في اقتصاد المعرفة الذي بدأت الكثير من دول العالم المتقدم تتجه له، حيث ساعد اقتصاد المعرفة دولاً مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا على تنويع مصادر دخلها والابتعاد عن الاعتماد على مصدر واحد من مصادر الثروة الطبيعية كالنفط والغاز وغيرهما من المصادر الطبيعية، التي تتغير أسعارها بتغير العرض والطلب، لذلك نجد أن كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة لا تملك من الثروات الطبيعية الكثير، ولكنها استطاعت أن تطور اقتصاد المعرفة الذي ساعدها على تبوء مراكز متقدمة جداً في الاقتصاد العالمي وتصبح بيوت خبرة لتطوير مثل هذه الاقتصاديات. بافتتاحه لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وضع خادم الحرمين الشريفين المملكة والعالمين العربي والإسلامي على مسار الدول المتقدمة، بالانفتاح على الآخر والاستفادة من تجارب الآخرين وتقدمهم العلمي والتكنولوجي، واستقطاب كل ما يفيد البشرية لمواجهة احتياجاتها التنموية والخدمية ولإيجاد الحلول العلمية لمتطلبات التنمية بأشكالها وأحجامها كافة. فعلاً إن إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يمثل ثورة في التعليم العالي ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستويين الإقليمي والدولي، حيث الإدارة العالمية، والتمويل السخي، والانفتاح العالمي لكسب وتوطين الخبرات العلمية العالمية التي يجب أن تكون متاحة لجميع أبناء البشر بدون تمييز. * أكاديمي سعودي