بعد أيام قليلة تبدأ تظاهرة «أيام البحرين السينمائية» في المنامة في دورة أولى تحاول ان تتقدم، كما يبدو، بقدر لا بأس به من التواضع في حب السينما، وأكثر من هذا، في سلوك درب الاختلاف كما يؤكد القائمون بالتظاهرة. منذ البداية يوضحون أننا لسنا في إزاء مهرجان «آخر» يضاف إلى ما تعرفه المدن العربية التي باتت تزدحم بالمهرجانات والمناسبات السينمائية الصاخبة، بل بالتحديد أمام تظاهرة تسعى إلى أن تكون عاماً بعد عام وبدءاً من هذه الدورة بالتحديد، مناسبة ثقافية تضاف إلى ما تعرفه هذه الجزيرة الطموح من نهضة ثقافية كبيرة تواصل ما كان بدأ منذ الخمسينات وما قبلها من حركة ثقافية إبداعية تجلّت في نتاجات شعرية وروائية ومسرحية وفكريّة ميّزت البحرين عن جيرانها. وهي الحركة ذاتها التي عادت لتعرف انبعاثة قوية خلال السنوات القليلة السابقة مع انفتاح هذا البلد العربي على دائرة عريضة من الأفكار والمثقفين العرب وبخاصة بمبادرات من وزيرة الثقافة الحالية الشيخة مي آل خليفة، التي يعرف المثقفون العرب والأوروبيون مساهماتها في النهضة الثقافية في بلدها حتى قبل ان تتسلم وزارة الثقافة. وذلك من خلال مركز الشيخ إبراهيم الذي تحوّل بالتدريج إلى صرح ثقافي متنوع الاهتمامات والنشاطات منفتحاً على العالم يبدو فريداً من نوعه في المنطقة. رهان على الشباب فكرة «أيام البحرين السينمائية» ولدت ضمن إطار الحراك الثقافي البحريني، إذاً، ولكن ضمن إطار أهداف محددة من الواضح أن الدورة الحالية الأولى إنما تسعى إلى أن تكون منطلقاً لها في مراهنة على السنوات المقبلة... وهو أمر يوضحه على اية حال اختيار التوجّه الذي يطبع التظاهرة. فهي، كما أشرنا، وبالنسبة الى منظمي المهرجان، أيام سينمائية ثقافية تتحلّق في كل عام، من حول موضوع سينمائي محدّد هو هذه المرة - وعلى سبيل التجربة - موضوع «البحر» الذي هو على اية حال موضوع لصيق بالبحرين جغرافيّاً وتاريخياً. اما في السنوات المقبلة فربما تتناول دورات متتالية موضوعات اخرى كأن تكون الدورة التالية «دورة أفلام السيرة الذاتية» في السينما العربية والمحلية والعالمية، تليها «دورة أفلام المدينة» وهكذا. وكما يفترض بهذا الموضوع، البحري هذا العام، ان يعكس ذاته، تمّ - لعروض الأيام المقبلة التي ستقدّم خلال الفترة بين 26 و30 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري - اختيار عدد من الأفلام التي يشكل البحر موضوعتها الرئيسة لتعرض موزعة على صالتين مع افتتاح ذي دلالة بآخر أفلام المخرج المصري داود عبد السيد الذي سيكون عرض فيلمه هذا «رسايل البحر» مناسبة لتكريمه في حضور عدد من النقاد والسينمائيين العرب والمحليين المدعوين، وذلك الى جانب تكريم خاص للمخرج الكويتي الرائد خالد الصديق الذي نعرف جميعاً ان فيلمه الروائي الطويل «بس يا بحر» كان رائداً حقيقياً في مجال سينما البحر التي تعد الآن في خريطة السينما العالمية ألوف الأفلام المتنوعة. كذلك سيطاول التكريم في هذه الدورة المخرج البحريني الرائد خليفة شاهين. ويشمل التكريم اصدار كتيّبات عن المكرمين وتقديم درع احتفالية لكل منهم. الى جانب تكريم هؤلاء المبدعين وعروض عدد من الأفلام البحرية العربية الأخرى (مثل الفلسطيني «حبيبي بيستناني عند البحر» لميس دروزة و»موسم الرجال» للتونسية مفيدة التلاتلي... و»حراقة» للمخرج الجزائري مرزاق علواش)، هناك ايضاً عروض عدد من الأفلام البحرية الكلاسيكية مثل «علبة باندورا» و»اختطاف» و»الحياة المائية» (المبني بتصرف شديد الطرافة، على مغامرات رائد اكتشاف اعماق البحار الفرنسي جاك ايف كوستو) و»عشرون الف فرسخ تحت الماء» عن رواية جول فيرن الشهيرة. ولما كانت المنامة قد اختيرت عاصمة السياحة الآسيوية للعام 2014، تخصص «الأيام» تظاهرة جانبية خاصة تعرض خلالها عدداً من الأفلام الآسيوية التي تدور، هي الأخرى، من حول موضوعة البحر، كما تصدر للمناسبة كتاباً عنوانه «شاشات آسيوية» من توقيع الناقد إبراهيم العريس، مستشار المهرجان. بحار شبابية غير ان العنصر الأهم من هذه العروض البسيطة والقليلة مقارنة بما يحدث في المناسبات السينمائية الصاخبة، يقف في مكان آخر: في التظاهرة التي اراد لها منظمو الأيام ان تكون العنصر الأساسي، وهي التي تقوم في توجيه مسبق لمجموعات من الشباب البحرينيين تحت اشراف مدير «الأيام» المخرج البحريني محمد رشيد بوعلي، نحو تحقيق عدد من الأفلام القصيرة او المتوسطة مع توفير تمويل لازم لذلك وتجهيزات تقنية على ان تكون الأفلام ذات موضوع يتعلق بالبحر بالتناغم مع موضوع دورة هذا العام. وهذه الأفلام التي سيعرض ما أُنجز منها خلال ايام البحرين السينمائية ستكوّن المسابقة الوحيدة في «الأيام» مع لجنة تحكيم خاصة مؤلفة من عدد من المبدعين العرب. ولا يخفي منظمو التظاهرة ان هذا النشاط من بين نشاطاتها هو الذي يشكل هاجسهم الأول ورهانهم الأساسي، طالما ان المطلوب منه هو المساهمة في تكوين جيل من السينمائيين - والمصورين وربما الممثلين والمنتجين - عاماً بعد عام عبر دورات متتالية يتغير بين كل واحدة وأخرى منها موضوع افلام المسابقة، ولكن يبقى الهدف واحداً وهو المساهمة في تعزيز علاقة الشباب البحريبي بالفن السينمائي ومن خلاله ببقية أنواع الإبداع إذ ان من بين المقترحات لهذا العام اللجوء الى القصائد الشعرية والقصص والفولكلور البحري لاستقاء المواضيع البحرية، على ان تكون مسابقة الدورة المقبلة عن سينما السيرة الذاتية مثلاً، ما يحفّز الشبان الجدد المشاركين على التحري عن حياة رجال الفكر والفن والمجتمع البحرينيين او غيرهم لتحقيق شرائطهم عنهم. كما أشرنا، بالنسبة إلى هذه التظاهرة، يشكّل هذا الحراك بالتحديد، في رأي أصحاب «الأيام»، جوهر المسألة في إطلالة متكاملة على المستقبل، تعطي الشباب فرصة لولوج عالم الفن السابع من منطلق جدّي يتكامل مع اهتمامات إبداعية واجتماعية أخرى. فإذا أضفنا إلى هذا، الحيّز المعطى للشباب في مجال تنظيم «الأيام» وإدارتها، يصبح في الإمكان فهم البعد الحقيقي الذي يتوخّاه منظمو الأيام - بدعم كامل من وزيرة الثقافة البحرينية -، من هذه التظاهرة، علماً أنه ستكون هناك ندوتان على هامش العروض والتكريمات إحداهما حول «البحر والسينما» والثانية حول «آخر أخبار العلاقة بين السينما والتلفزيون» يشارك فيهما عدد من الباحثين والسينمائيين العرب.