أدى تواصل التدهور الأمني في مدينة طرابلس (شمال لبنان) وسقوط ضحية جديدة أمس ليرتفع عدد القتلى إلى 10 و100 جريح، إلى إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وفق ما نقل عنه وزير الإعلام وليد الداعوق، «أن هناك إجراءات جديدة ستتخذ على الأرض لوضع حد للأحداث الأليمة فيها، خصوصاً بعدما عاناه أهلها الليلة الماضية من أحداث عنيفة»، آملاً «بأن تترجم هذه الخطوات على الأرض خلال الثماني والأربعين ساعة المقبلة». وكان رصاص القنص استمر طوال ليل الأحد - الإثنين حتى عصر أمس، على مختلف محاور الاشتباكات في باب التبانة - جبل محسن - البقار - الريفا - حي الأميركان - شارع سورية - المنكوبين - طلعة الشمال - طلعة العمري - حي السيدة - مشروع الحريري - الحارة البرانية - أوتوستراد طرابلس الدولي في محلة التبانة، والذي بقي مقطوعاً في اتجاه عكار حيث تم تحويل السير إلى طرقات أخرى باتجاه العبدة. وترافق ذلك مع اشتباكات على محور المنكوبين وسقوط قذيفتين على بعل الدراويش ما أدى إلى مقتل هيثم طيبة وسقوط 4 جرحى، هم: أليسار داوود وطالب كنجو والأخوان خضر وحسن العرعور. كما سجل إطلاق القذائف الصاروخية خلال الليل استهدفت المناطق الآمنة في المدينة، على رغم رد عناصر الجيش على مصادر النيران وتسيير دوريات مؤللة في الأماكن الساخنة في محاولة لضبط الوضع. وعصر أمس، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» عن إصابة جنديين من الجيش عند مستديرة الملولة برصاص القنص أثناء عودتهما إلى منزلهما في عكار، ونقلا على الأثر إلى مستشفى الشمال في زغرتا وهما بحال حرجة. كما أفادت عن إصابة المواطنين علي الحايك ومحمد القدور برصاص القنص أيضاً على أوتوستراد طرابلس الدولي (محلة التبانة)، ونقلا إلى المستشفى الإسلامي للمعالجة، وإصابة أحدهما خطرة. توقيف 9 أشخاص وتمكنت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني من توقيف تسعة أشخاص في أحداث طرابلس أثبتت التحقيقات أنهم اشتركوا في الاشتباكات الدائرة بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن. وأحيلوا إلى النيابة العامة العسكرية للادعاء عليهم. وكان مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر سطر استنابات قضائية إلى الأجهزة الأمنية لتبيان كامل هويات حوالى ستين شخصاً من المسلحين. وأوضحت مصادر قضائية أن «ثمانية من الموقوفين هم من باب التبانة فيما التاسع من جبل محسن». وأصدرت قيادة الجيش - مديرية التوجيه بياناً أكدت فيه «مواصلة وحدات الجيش تعزيز إجراءاتها الأمنية في مدينة طرابلس، خصوصاً في مناطق جبل محسن، باب التبانة، القبة، حي الأميركان، البقار وشارع سورية، لإعادة الاستقرار إلى المدينة». ولفت البيان إلى أن «هذه الإجراءات شملت تسيير دوريات وإقامة حواجز تفتيش، والرد على مصادر القنص، وإزالة الدشم المستحدثة». وأضاف: «نفّذت الوحدات عمليات دهم أماكن تجمع المسلحين، أسفرت عن ضبط أسلحة حربية خفيفة ومتوسطة وذخائر وأعتدة عسكرية، إضافة إلى عدد من أجهزة الاتصال اللاسلكية. وتم تسليم المضبوطات إلى المراجع المختصة لإجراء اللازم». وكانت دفعة جديدة من عناصر قوى الأمن الداخلي وصلت إلى سراي طرابلس، على أن تصل دفعة ثانية في الساعات المقبلة. كما وصل حوالى 200 عنصر من قوى الأمن الداخلي معززين بعناصر من القوى المختصة بعمليات الدهم لمساندة القوى المنتشرة في المدينة في دورياتها. وانعكس الوضع الأمني المتردي تراجعاً لحركة السير وبقيت المدارس والجامعات القريبة من مناطق الاشتباكات مقفلة. وأعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان أن «الشركات الأجنبية المعنية توقفت عن إرسال خبرائها وفنييها إلى معمل دير عمار لاستكمال أعمال الصيانة الدورية المجدولة التي انطلقت في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بسبب تدهور الأوضاع الأمنية». كبارة وقال النائب محمد كبارة ل «الحياة»: «إن الاعتداءات تتواصل على أحياء عدّة في طرابلس وإن مصدرها رفعت عيد (الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي) الذي يجب توقيفه مع والده علي عيد (رئيس الحزب العربي الديموقراطي) لأنهما يصران على توتير الأجواء ولصرف الأنظار عن ملاحقتهما في تفجيري مسجدي «السلام» و«التقوى» بعدما ثبت ضلوعهما في الجريمة». وأضاف: «بمجرد توقيفهما سيعود الهدوء والمسؤولية تقع عليهما حيال الذين سقطوا في طرابلس الذين استهدفوا برصاص القنص في ضوء ما يتردد أنهما استقدما أخيراً بنادق متطورة تستخدمها جماعتهما ضد أبناء المدينة». ولفت إلى «ضرورة قيام الجيش بفرض الأمن وإعادة الهدوء إلى المدينة بعد الإجماع الذي تقرر برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال على توحيد المرجعية الأمنية تحت إمرته». وقال: «ننتظر من الجيش أن يأخذ موقعه وأن يتمركز في المواقع التي تستخدم من قبل جماعات رفعت عيد للقنص على الأبرياء والهدوء يعود فوراً إلى طرابلس فور توقيفهما إلى جانب المطلوبين الذين صدرت في حقهم مذكرات توقيف». إلى ذلك، رأى «تجمع العلماء المسلمين» في بيان أنه «لم يعد مقبولاً تعريض حياة المواطنين في طرابلس للخطر»، مجدداً طرحه بأن «يعمل على تغيير قادة الأجهزة الأمنية كافة في طرابلس، على أن يقترن ذلك بقرار اعتقال أي مسلح يوجد في الشارع وإطلاق النار عليه في حال عدم الامتثال، واقتحام الأماكن التي يطلق منها النار». وفي المواقف، رأى رئيس الحكومة السابق سليم الحص، أن «الفتنة المتمادية في طرابلس أصبحت تسمى جولة قتل للآمنين، وتهدد السلم الأهلي»، واصفاً إياها ب «الجنون بعينه». وسأل: «متى تنتهي هذه المأساة؟». وأجاب: «لا تنتهي إلا بإرادة من يتزعمون الفريقين ووعيهم ونحن مع الدعوات التي تدعو إلى نبذ مثل هذه الأعمال الشائنة المسببة للاشتباكات المسلحة الأليمة وأن يكون صوتهم صادحاً في كل اتجاه». وطالب الجيش ب «حزم أمره فيقضي على هذه الظاهرة العبثية في الشوارع إلى غير رجعة». وحمّل عضو كتلة «المستقبل» النيابية سمير الجسر القوى الأمنية «مسؤولية الوضع في طرابلس». وقال: «لو تمت معالجة الأمر بجدية، لتوقف هذا الخلل». وأردف: «في الاجتماع الذي حصل في منزل الرئيس ميقاتي، سألنا وزير الداخلية عن خطة أمنية، فاعترف بوجود خلل في موضوع العديد، وسألناه كيف يتم توفير العديد في صيدا وأي مكان آخر ولا يتوافر لطرابلس؟ واتفقنا على أن تكون القوى الأمنية في إمرة الجيش وأن يرفق الدرك بحوالى 600 عسكري». ورأى عضو الكتلة ذاتها النائب أحمد فتفت أن «إعطاء الإمرة للجيش لا تكفي لضبط الوضع، وإنما يجب أن توجد النية الفعلية السياسية والأمنية لحل نهائي، وبتغيير القيادات الأمنية، فهي موجودة منذ اثنتي عشرة جولة أخيرة ولم تتمكن من بسط سلطة الجيش على الأرض». واعتبر أن «الخطة الأمنية لم تنجح في طمأنة أهل طرابلس إلى أن المجرمين سيساقون فعلاً أمام العدالة». ولفت عضو الكتلة النائب خضر حبيب إلى أن «الطرابلسيين باتوا خائفين من عجز الدولة عن فرض الأمن والاقتصاص من المجرمين». وعن تبني كتيبة «أبو بكر حمود» تفجير مبنى الحلبي في جبل محسن، قال: «لا نستطيع تحمل مثل هذه الأمور». وإذ اعتبر «أن أمن طرابلس بات مسيّساً»، اتهم «حزب الله بعرقلة الخطة الأمنية». واعتبر النائب بطرس حرب أن لا «جدية في التعاطي مع الوضع من الحكومة». وقال: «طرابلس لها رمزيتها، وموضوع القرار فيها بيد بعض رؤساء المحاور وجماعة جبل محسن ولا أعرف ما هي خلفيتهم». وحذر من «حرب أهلية سيكون لها ارتدادات وانعكاسات على مناطق أخرى لذا فإن طرابلس يلزمها معالجة جدية وقرار سياسي».