شاعت في الآونة الأخيرة، ظاهرة التساهل بالقتل، خصوصاً بين أوساط الشباب، فلا يكاد يخلو يوم إلا تنشر وسائل الإعلام المحلية خبر وقوع جريمة قتل في إحدى مناطق المملكة المختلفة. «الحياة» حاورت عدداً من المختصين، لمعرفة الأسباب والدوافع وراء انتشار هذه الظاهرة، وطرق الوقاية منها. إذ يرى الباحث الاجتماعي خلف العنزي، أن الظاهرة أصبحت تشكل «خطراً على المجتمع». ويقول: «إنها تتعدى كونها تصرفات فردية، إلى كونها فكرا لدى الشبان»، معتبراً ان من أهم دوافع إقدامهم على هذه الجرائم «ما تروج له القنوات الفضائية من أفلام العنف، وقصص جرائم وقتل، تنغرس في أذهان الشبان، ليكون القتل أول الحلول إبان اشتداد موقف ما». ويضيف العنزي، ان «دراسات حديثة أثبتت ان أفلام العنف سبب مباشر في اللجوء إلى العنف كسلوك، لأن هذه الأفلام حينما تُخرج في شكل جيد، فأنها سترسخ مفاهيم العنف في عقلنا الباطن، ما يجعل العنف هو أول ردة فعل، وأيضاً السلوك العدواني والنعرات والجاهلية التي يتم تنشئة الطفل عليها، التي تجعل أخذ الحق باليد أول الحلول، فبدلاً من أن نربي أبناءنا على التسامح والعفو، نزرع في نفوسهم السلوك العدواني، وأن التنازل عن الحق ضعف في الرجولة وجبن، ما يجعل الشاب في حال فوران الدم؛ يبحث عن رد كرامته المسلوبة بأي طريقة، خوفاً من أن يكون في نظر المجتمع المحيط به «جباناً» أو «ضعيفاً»، حتى أن الشاب قد يدفعه الشيطان إلى القتل، خوفاً من أن يوصف ب«الجبان» أو «الرخمة»، أو غيرها من المدلولات التي تشير إلى ضعفه والانتقاص من رجولته، خصوصاً أن مرحلة المراهقة هي بمثابة اختبار حقيقي للمراهق، يحاول الإثبات خلالها أنه خلع عباءة الطفولة وأصبح رجلاً». ويرى أن أول أسباب لجوء الإنسان إلى العنف هو «ضعف الوازع الديني، فلو علم أي شخص بحرمة قتل النفس المؤمنة، وعظيم الذنب في الدنيا والآخرة، لما استسهل القتل. ولو أن المجتمع ككل استشعر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه ابن عمر «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، وغيرها من الأحاديث التي تبين عظم هذا الذنب، لما استسهل القتل». ويؤكد العنزي، أن من الأسباب أيضاً «نشر مثل هذه الجرائم في وسائل الإعلام، لأن كثرة ورود هذه القصص؛ تجعل الأمر مستسهلاً على النفس، خصوصاً أن بعض الأخبار تجد في صياغتها إما استفزازاً، أو تبريراً للجريمة، وهذا ما يجعل مثل هذه الأخبار غير مستغربة، وقديماً قال العرب: «كثر الإمساس يقلل الإحساس». الإفلات من القصاص بالشفاعة بدوره، أوضح المستشار الأسري الدكتور سليمان المنيف، أن «التساهل في القتل كموضوع؛ مسبباته كثيرة، وهي حلقات متواصلة لا نستطيع أن نفصل حلقة عن أخرى. ومن أبرز أسباب التساهل قضية الشفاعة من القصاص، من دون وضع أطر وضوابط للتنازل، فالتنازل فضيلة محمودة وأجره عظيم، لكن التنازل أصبح في صورته الحالية؛ سبباً مهماً من أسباب التساهل في القتل. فالشاب حينما يرى أنه أفلت من القصاص، بسبب تدخل أعيان ومسؤولين، سيجد أن الرادع من القتل أصبح منتفياً، لأن القصاص وضع كرادع، فحينما يزول الرادع؛ يصبح الجرم مستسهلاً». وثاني الأسباب التي يراها المنيف، هي «ضعف الرقابة على ما يستورد من ألعاب، والتي تجعل القتل متأصلاً في نفوس الشبان، فبإطلالة سريعة على الألعاب الحديثة؛ سنجد أن ألعاب القتل والسرقة والجرائم هي الأكثر انتشاراً، والأكثر طلباً، ما يزعزع ما تم زرعه في الأبناء من فضيلة العفو والتسامح، حتى ان المختصين والتربويين يجدون صعوبة في الإمساك في زمام الأمور، في ظل ما يستورد من ألعاب وأشرطة تخلخل البيئة الاجتماعية والأسرية، فكيف يكون حال غيرهم. فكما أن النظام يعاقب بشدة قاطع الإشارة، مثلا، فيجب كذلك معاقبة مستوردي هذه الألعاب، لأنه لا يشك عاقل أن ضرر هذه الألعاب أكبر بكثير من قطع إشارة». ويلقى باللائمة على المدرسة، قائلاً: «ليست كل المدارس، لكن الكثير منها شريك في تفشي الظاهرة، فالمعلمون أنفسهم يحتاجون إلى دورات تدريبية تربوية، ليعرفوا كيف تُلقى المعلومة، وكيف يزرع المدرس في الطالب المثل العليا بطريقة حوارية، لا بالتلقين»، مضيفاً ان «الجميع يدعو إلى الحوار، ولكننا لا زلنا في الصف الأول في الحوار والإصغاء، ومن دونهما لن يستطيع الطالب الإفضاء بمكنوناته، فكيف ننشد إصلاحاً لشخص لم نستطع أن نعرف ما يفكر فيه؟ وكيف سنغير بعض المعتقدات الخاطئة في التعامل مع الأمور، إذا كنا نجهل ما لديه من معتقدات، وحتى تزرع معتقداً جديداً يجب أن تجتث السابق، وهذا لا يحققه أبداً جو المدرسة الحالي». وعن الحلول للقضاء على ظاهرة التساهل في القتل، يرى المنيف ان «استصدار بيان من الجهات العليا، كالديوان الملكي، يحدد ضوابط التنازل عن القصاص، وأن يكون للعلماء والدعاة والخطباء والوعاظ، دور في التحذير من هذا الأمر، فالوضع أصبح خطراً وينذر بكارثة، إن لم يتم تدارك الأمر، بل أنه في الفقه الشرعي قد يسقط حكم شرعي بسبب انتشار جريمة معينة، وقد يضاعف الحكم الشرعي للحد من ظاهرة ما. كما أن تكثيف دورات الحوار والإصغاء للتربويين بوجه خاص، وتبيان كيفية حدوث التغيير من طريق الإصغاء والحوار». كما يطالب ب«إنشاء جمعية مختصة، للحد من التساهل في القتل، والتعاطي مع هذه الظاهرة، فكما أن للتدخين جمعية لمكافحته، فلماذا لا تنشئ جمعية لتوعية الشباب، فجريمة قتل واحدة أشد خطراً من ألف مدخن، خصوصاً إذا علمنا أن هذه الظاهرة تنم عن فكر خطر، وهو استسهال إزهاق روح بريئة». ويختم المنيف رأيه بدعوة الإعلام إلى «التقليل من التعاطي مع مثل هذه الأخبار، وعدم التوسع في نشرها، والاكتفاء بنشر خبر غير مُسهب عن القضية، بدلاً من الاسترسال والتسابق في تبيان أدق التفاصيل والتي لا تخدم القارئ، ولا تضيف له شيئاً». كما يرى أن مثل هذه الأخبار «يجب أن يتكتم عليها، وإن نشرت فتنشر في إطار ضيق، لأنها قد تكون محفزاً للبعض، وقد تؤثر على نفسية الشاب حين قراءتها».