لليوم الثاني على التوالي ضرب العنف الأعمى العاصمة العراقية، إذ انفجرت سيارة مفخخة في الكاظمية (شمال بغداد) أسفرت عن مقتل 8 واصابة 20، فيما توالت التصريحات المنددة ب «العمليات الارهابية» والتحذير من الانجرار الى العنف الطائفي. وحملت تفجيرات اليومين الماضيين الدامية في العاصمة العراقية رسائل سياسية، فضلاً عن الأمنية، تزامنت مع الذكرى السابعة لاحتلال العراق عام 2003. وفيما وجهت السلطات الرسمية اصابع الاتهام الى حزب البعث المنحل انتقدت جهات سياسية اخرى قوات الامن العراقية واتهمتها بالقصور والتخاذل وشككت في امكان قدرتها على تحمل المهمات الامنية بعد مغادرة القوات الاميركية، فيما سادت اجواء من القلق بين اهالي بغداد الذين ابدوا استياء من عودة اعمال العنف. فبعد تفجيرات «الاثنين الأسود» ب6 سيارات مفخخة ومقتل 34 واصابة 130 انفجرت أمس سيارة مفخخة في الكاظمية شمال بغداد، فقُتل 8 أشخاص وأصيب 20. وأوضحت مصادر أمنية أن «سيارة مفخخة انفجرت قرب احدى الحسينيات في شارع البواب» المزدحم، ويبعد نحو كيلومترين عن مرقد الامام موسى الكاظم (سابع الائمة المعصومين لدى الشيعة). وفي الفلوجة، أعلن النقيب في الشرطة محمد عبدالاله «انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري في حي نزال (جنوب)، ما أسفر عن مقتل شرطي واصابة 12 شخصاً بينهم أربعة من عناصر الشرطة». وأضاف المصدر أن الانفجار «كان يستهدف موكب أبي قتيبة قائد قوات الصحوة في منطقة الكرمة (10 كيلومترات جنوب الفلوجة)». واتهم رئيس الحكومة نوري المالكي حزب «البعث (منحل) بالتعاون مع القاعدة» عشية ذكرى تأسيسه. يشار الى أن «حزب البعث» تأسس في السابع من نيسان (أبريل) عام 1947. وحمّل المالكي «أزلام النظام المقبور» وتنظيم «القاعدة» المسؤولية عن التفجيرات التي شهدتها العاصمة. وقال في بيان أصدره مكتبه الإعلامي امس إن «تلك التفجيرات هي هدية حزب البعث المقبور في ذكرى مولده المشؤوم للشعب العراقي، وهي تكرار للجرائم التي تحدث في كل عام في هذه المناسبة المشؤومة». كما دعا مجلس رئاسة الجمهورية الأجهزة الامنية والقوات المسلحة الى اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان الأمن والاستقرار في البلاد. وقال رئيس الجمهورية جلال طالباني في تصريح أمس ان «مجلس الرئاسة يشعر بالقلق الشديد نتيجة معلومات أمنية دقيقة وموثقة وصلته من الأجهزة الأمنية تفيد بأن تنظيم القاعدة يخطط لتكثيف نشاطاته ضد قيادات الحزب الإسلامي، وتسعى إلى اغتيال الرؤوس البارزة للحزب الاسلامي وكوادره». ودعا «أبناء الشعب العراقي إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية» محذراً من أن «هذه التفجيرات تستهدف إشعال الفتنة الطائفية بين ابناء الشعب العراقي» ودعا «كل العراقيين إلى تعزيز الوحدة الوطنية ووحدة الصف والتصدي لأي محاولة لاشعال فتنة طائفية في العراق». ومن جهته لفت نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أن «المحاولات الإرهابية تهدف إلى جر البلاد إلى فتنة طائفية جديدة»، مضيفاً انه «من الضروري أن يسمي مجلس الرئاسة الأشياء بمسمياتها وأن يحذر المواطنين ويناشد القوات المسلحة والأجهزة الامنية العمل على تطوير أدائها وتوسيع عملياتها ضد العناصر الإجرامية، وفي الوقت نفسه تحمي المواطن العادي من نشاطات العناصر الإجرامية». الى ذلك اكد عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان عباس البياتي ل «الحياة» ان «التفجيرات تحمل بصمات بقايا تنظيم القاعدة والنظام السابق في تحالف يجمع قواه في كل عام لمثل هذه المناسبة للفت الانتباه واثارة الفتن». واشار الى ان «التفجيرات لم تعد تحمل رسائل سياسية كما في السابق. فهناك منابر معارضة يمكن ان تستخدمها الجهات السياسية المناوئة. ولكن الوضع الامني يحتاج الى مزيد من العمل والجهد، ولا ننكر وجود ثغرات فيه». واستبعد البياتي ان تؤثر هذه التفجيرات في «التقدم الحاصل في مشروع المصالحة الوطنية او تحدث فتنة طائفية جديدة» معتبرا ان «الشعب العراقي بات يعرف الجهات جيدا ان مصلحته في الوحدة الوطنية». من جانبه انتقد القيادي في «المجلس الاعلى الاسلامي» الشيخ جلال الدين الصغير بشدة قوات الامن العراقية وقال إن «انفجار السيارات الست يؤشر بوضوح الى الخلل في داخل الأجهزة الأمنية». واضاف أن «العقلية التي أدارت الموضوع فاعلة في داخل الجسم الأمني، ولذلك لا يمكن الاكتفاء بالتحليل السياسي». وتساءل: «أين الرقابة الاستخباراتية للأجهزة المختلفة؟ وأين دور المخابرات العراقية المزعوم؟». ودعا الصغير «أجهزة الشؤون الداخلية في الداخلية والدفاع والأمن الوطني الى حركة تطهير لأجهزتها بالسرعة التي عملت فيها على تصفية الكوادر المناضلة ضد البعث». وكان مسؤول الاعلام في وزارة الداخلية علاء الطائي اشار في تصريح الى «الحياة» الى وجود مؤشرات لدى اجهزة الاستخبارات عن وجود علاقة بين العمليات الارهابية التي تحدث بين الحين والآخر وبين المعتقلين المفرج عنهم بموجب العفو عنهم، مشيراً خصوصاً الى «تزامن وقوع بعض الاعمال الارهابية التي وقعت اخيرا مع اطلاق سراح معتقلين لدى القوات الاميركية». وأبدى الشارع العراقي، خصوصاً في بغداد، استياء من التدهور الامني الاخير وبدا اصحاب المحلات التجارية اكثر حذرا في التعامل مع السيارات المتوقفة امام محلاتهم. ودانت جامعة الدول العربية بشدة التفجيرات الإرهابية التي شهدتها بغداد، وأعرب الأمين العام للجامعة عمرو موسى عن القلق البالغ ازاء هذا التصعيد الأمني، ودعا مختلف القيادات العراقية السياسية والدينية والعشائرية الى التصدي لأية محاولات تستهدف شق الصف الوطني أو إثارة الفتن، وتفويت الفرصة على كل من يعمل ضد مصلحة العراق ووحدة نسيجه الوطني، مؤكداً التضامن العربي الكامل مع العراق لتجاوز التحديات الراهنة في هذه المرحلة الدقيقة. وأهاب موسى بالقيادات العراقية العمل على تعزيز الوحدة الوطنية، ومواصلة جهود تحقيق المصالحة الوطنية.