أعاد الحوار التلفزيوني الذي أجراه الإعلامي داود الشريان مع الموقوف وليد السناني إلى الواجهة بنية العقل التكفيري والبنية الفكرية التي ينطلق منها ومدى توافقها مع الخطاب الشرعي بشتى أنواعه، وما نقاط الاختلاف، وإلى أي مدى يستطيع الخطاب الشرعي والعلمي مواجهة الفكر التكفيري من خلال إعادة النظر في المنطلقات أو المنابع أو توضيح السياقات التكفيرية السابقة. تأتي المقابلة بعد مضي 10أعوام على الأحداث الدامية التي عصفت بالسعودية، وبعد ثورات الربيع العربي، وأثناء احتدام المواجهات القتالية على الأراضي السورية، في وقت استدعي فيه الفكر «القاعدي» إلى اللحظة الراهنة، وبدأ يسحب مجاميع من الشباب إلى أتونه وساحاته الاحترابية وكأن شيئاً لم يكن. بدأت أصوات متعاطفة مع الفكر التكفيري باعتباره من حرية الرأي، أو باعتبار أصحابه مطردين ومتصالحين مع الفكر الشرعي السابق، ما جعل المجتمع يتذكر ويلاته، ويراجع قيمة الجهود العلمية والشرعية والفكرية التي بذلت حينها لمواجهة خطابات العنف ومراجعة لغة التشدد والتكفير. من جهته، أوضح المشرف العام على مركز الفكر المعاصر الدكتور ناصر الحنيني أن الإشكال ليس في التكفير، ولكن في التكفير بغير بينة ولا توافر الشروط المعتبرة شرعاً، وانتفاء الموانع المعتبرة شرعاً، مبيناً أن الشروط هي مثل العلم وبلوغ الحجة والاختيار والعقل وعدم وجود الشبهة، والموانع مثل الجهل والإكراه والتأويل السائغ وهذا محل إجماع عند أهل العلم. وأضاف: «لا يمكن أن نحكم على تيار كالتيار السلفي العريض والذي فيه علماؤنا وسلفنا الصالح من خلال اجتهاد شخص قد يكون أخطأ، وقل مثلها حينما نحكم على دعوة إصلاحية كدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الدعوة المباركة التي قامت عليها دولة آل سعود الأولى والثانية والثالثة، كما لا يمكن أن ننقل صراعات وأحداث وأحكام وفتاوى في نوازل معينة، ثم نأتي ونحاكمها لواقعنا وننزلها في المكان والزمان غير المناسبين، وهو ما يسمى بتحقيق المناط». وذكر بأن هناك قاعدة قرآنية واضحة وهي رد المتشابه من الكلام الذي تختلف فيه الفهوم والاجتهادات إلى الكلام المحكم الواضح البيّن الذي لا لبس فيه، فمثلاً يتهم الخصوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأنه يكفر المسلمين بغير حق، ويأتون بكلام محتمل، وللشيخ كلام واضح بأنه يتبرأ أن يكفر مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله إلا بعد إقامة الحجة وبيان المحجة، وهذا ينطبق على شيخ الإسلام ابن تيمية وكل الدعوات بل حتى نصوص الكتاب والسنة يجب رد المتشابه إلى المحكم. وأكّد أن مثل هذه القضايا الحساسة مثل التكفير وغيرها يجب أن يكون المرجع فيها تقريراً ورداً ومناقشة لأهل العلم المتخصصين في العلوم الشرعية من كبار علمائنا، أو المتخصصين في علم العقيدة، لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب. في حين قال الباحث رائد السمهوري: «أحفظ كلمة فريدة في بابها للفيلسوف والاقتصادي الهندي أمارتيا صن ذكرها في كتابه عن الهوية والعنف معناها: لا تقل هل الإسلام متشدد؟ ولكن قل: أهناك مسلمون متشددون؟ في إشارة إلى أن التشدد والتساهل يعودان إلى الطبائع النفسية والتأثيرات البيئية والاجتماعية أكثر ما يعودان، وأذكر أن هذا الفيلسوف قال هذه الكلمة دفاعاً عن الإسلام وتخفيفاً من حدة خصومه في ما يطلقونه عليه من أوصاف تتجاوز الموضوعية. وأضاف: «ربما يكون هذا مدخلاً جيدًا للحديث عن التشدد والمتشددين، غير أن وصف إنسان آخر بأنه متشدد أمر لا يخلو من إشكال، ذاك أنه مصطلح لا يمكن تحديده وتعريفه، فالتشدد في مسألة معينة قابل للزيادة في التصور الذهني إلى ما لا نهاية، وكذا التساهل قابل للزيادة في التصور الذهني إلى ما لا نهاية، لذا أجد من الصعب نظريًا ومعرفيًا وصف أولئك الذين نسميهم متشددين بأنهم متشددون، وكل متشدد ربما يكون متساهلاً في نظر من هو أكثر تشددًا منه»، مؤكداً على أهمية معيار شرعي لتحديد ما هو التشدد حتى لا يختلف فيه الناس، ويرى كل أحد أن المعيار هو منهجه فقط دون غيره.