يدفع الوضع الاقتصادي المتردي في معظم البلدان العربية المواطنين إلى تقليص النفقات. وقد يكون اللجوء إلى إلى السلع المقلدة، ومنها العطور، أحد أوجه هذا التقليص. إذ أنها، بنظر من يشتريها، أرخص ثمناً من العطور الأصلية، وتحقّق النتيجة نفسها، من دون أن يعلم مدى تأثيرها على صحته، وما تسبّبه من أضرار على المدى البعيد. يقول الدكتور تامر سعيد صالح، الباحث في المركز القومي للبحوث قسم الكيمياء الخضراء (غير الملوثه للبيئة) إن تقنيه صناعه العطور الأصليه تتكون من خمس مواد اساسية: الزيت العطري نباتياً كان أم اصطناعياً، الكحول الإيثيلي، مزيل لرائحة الكحول، مثبت لرائحه العطر، ومظهّر لهذه الرائحة. لكن ما يحدث في محلات تركيب العطور المقلّده مختلف تماماً، لأن الغش يطال 90 في المئة من العطور عند تركيبها، ويبدأ من المستورد للزيت العطري، حيث يقوم بإضافة بعض الزيوت المعدنية (البترولية، لزياده الكمية وتحقيق مكاسب أكبر. وينتهي الغش بصاحب المحل الذي يستخدم أنواعاً رخيصه من الكحوليات، على رغم آثارها الضارة على البشرة، ومن أمثلة هذه الكحوليات الميثانول، ويُطلق عليه اسم الكحول الميثيلي، وهو من المواد السامة. ويضيف صالح أن السبب في استخدام الميثانول في تركيب العطور من قبل أصحاب المحلات الصغيرة لا يقتصر على رخص ثمنه فقط مقارنة بالإيثانول، إنما أيضاً على صعوبة الحصول على الإيثانول الذي يتطلب شراؤه تصريحاً من جهة رسمية لبيان سبب استخدامه، نظراً لأنه يمكن أن يستخدم كأحد أنواع المسكرات. ويوضح أن المشكلة لا تقتصر على أنواع الكحول المستخدم، لكن تمتد إلى طريقة استخدام الزيوت العطرية الاصطناعية. فالزيوت هذه عبارة عن مواد كيميائية ذات درجة اشتعال منخفضة، أي أنها ذات حساسية عالية للضوء والحرارة، لذلك تأتي من الخارج في زجاجات معتمة، وتحفظ في درجة حرارة مناسبة، لكن أصحاب المحلات يضعونها في زجاجات شفافة، وتكون معرّضة في بعض الأحيان لأشعة الشمس، ودرجة حرارة مرتفعة، خصوصا في فصل الصيف، وهذا يؤدي إلى تفكيك الروابط الموجوده بين هذه المواد الكيميائية، ما يجعلها تسبب ضرراً للبشرة. من جانبه، يحذّر الدكتور محمود فوزي عبدالحميد، استتشاري ومدرس الأمراض الجلديه والتناسليه في المركز القومي للبحوث، من استخدام العطور المركبة التي تحتوي على الميثانول بدلاً من الإيثانول، وذلك بسبب التأثير الضار للكحول الميثيلي على معظم أجهزه الجسم. فالكحول الميثيلي الذي يُعرف أيضاً بالميثانول، أو خشب الكحول، سائل عديم اللون ذو رائحة نفاذة، ويُستخدم بشكل أساسي كمذيب، كما أنه سريع الاشتعال، له درجة سمية عالية ويسبب الآثار الجانبية منها الآثار الحادة التي تتمثل في حصول تهيج في الجهاز التنفسي وسعال إذا تم استنشاقه، وتهيج في الجلد وسدّ الحيز التنفسي للخلايا الجلدية. وتؤدي الزيوت العطرية الاصطناعيه إلى ظهور البقع الداكنة لاحتوائها على زيت البرجموت الذي يعمل على تنشيط خلايا الميلانوصيت، وهي الخلايا التي تحمل مادة الميلانيل المسمّرة للجلد. لذلك يُنصح مرضى الكلف الجلدي بعدم استخدام الزيوت العطرية الاصطناعية. ويؤدي الكحول الميثيلي إلى جفاف الشعر وتشقق في فروة الرأس، لأنه يذيب المواد الدهنية الموجودة بالشعر، لذلك تضع شركات مستحضرات العناية بالشعر عبارة «خال من الكحول» على منتجاتها. ويشرح عبدالحميد أيضاً الآثار المزمنة التي تحدث نتيجة التعرض المستمر ولفترات طويلة للكحول الميثيلي، وتظهر عادة على العاملين في تركيب العطور، وتتمثل في جفاف البشرة وتشققات في الجلد وقصور في الجهاز العصبي وتليّف في الكبد، وذلك نتيجة لامتصاص الكحول عن طريق الجلد ووصوله إلى الدم، ثم إلى الكبد. وحيث أن الكحول مادة سامة فإنه يصيب الكبد بالتليف، ولذلك يّنصح العاملون في مجال تركيب العطور بإجراء فحوص دورية لكل من وظائف الكبد وكفاءة الجهاز العصبي، وأيضاً بارتداء واقٍ للرأس وقفازات ونظارات طبية، عند التعامل مع المواد الكيميائية، وذلك للحد من هذه الأخطار، إضافة إلى تأثيره على الأمراض الموجودة عند الشخص، فمثلاً يزيد الكحول الميثيلي من سوء حالات مرضى الكبد، وكذلك مرضى الكلف والبهاق، وغيرها من الأمراض الجلدية الأخرى. ويحذّر الدكتور عبدالحميد من وضع العطر والتعرّض لأشعة الشمس بطريقة مباشرة، لأن ذلك قد يؤدي إلى الحساسية الضوئية وبعض أنواع الأكزيما الجلدية، قد تتطور في بعض الحالات إلى حروق تشبه الحبوب الحمر على الجلد، بخاصة وأن أشعة الشمس تحتوي على أشعة «الترافيوليت» إحدى المسببات الرئيسية لسرطان الجلد.