كان لقرار القاهرة تخفيض مستوى علاقاتها الديبلوماسية مع تركيا وقع الصدمة لدى كثير من الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية التركية، خصوصاً وأن وزارة الخارجية التركية كانت سرّبت أو أشارت في أكثر من مناسبة داخلية إلى وجود «مراجعة» في السياسة الخارجية لأنقرة ستشمل الموقف من مصر وأنه قد يكون هناك خطوة «قريباً» من أجل مد جسور الحوار مع النظام القائم في القاهرة والذي كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تعهد سابقاً بعدم الاعتراف به. وردّت الخارجية التركية بالمثل على مصر، وأعلنت السفير المصري - الذي لم يعد إلى تركيا منذ بداية الأزمة بين البلدين في تموز (يوليو) الماضي - عبدالرحمن صلاح الدين شخصاً غير مرغوب به، وقررت خفض العلاقات الديبلوماسية إلى درجة قائم بالأعمال. ووفق مصادر ديبلوماسية تركية فإن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان كان قد توقّف عن انتقاد السلطات المصرية الحالية والتعليق على وضع الرئيس المعزول محمد مرسي من أجل تهدئة التوتر الحاصل بين البلدين، إلا أن سؤال صحافي له في المطار قبيل مغادرته إلى روسيا يوم الخميس عن محاكمة مرسي قطع هذا التوجه، إذ قال أردوغان في رده على السؤال «إنه يحترم مرسي ويحترم موقفه أمام المحكمة وإنه لا يكنّ أي احترام لمن يحاكم مرسي»، وهو التصريح الذي أشعل الأزمة الجديدة. وكانت تركيا قد سحبت سفيرها حسين عوني بوطسالي من القاهرة بعد عزل محمد مرسي، ورفضت الاعتراف بالحكومة الانتقالية. كما وجّه أردوغان انتقادات شديدة لوزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي ودافع بشدة عن تيار «الإخوان المسلمين» في مصر وتعهد عدم الاعتراف بأي حكومة في مصر «حتى يعود مرسي مجدداً إلى الحكم». لكن الموقف التركي شهد تغييراً بعد مشاورات مع المملكة العربية السعودية، إذ أعادت أنقرة في صمت سفيرها إلى القاهرة في خطوة من جانب واحد قبل شهرين. وقالت مصادر ديبلوماسية تركية ل «الحياة» إن أنقرة حاولت منذ ذلك الحين اقتناص الفرصة من أجل اعادة العلاقات من جديد وتجاوز الأزمة الحالية منذ عودة السفير التركي، إلا أن ما سمّتها المصادر «قوى متنفذة» كانت تقف ضد أي محاولة تركية في هذا المجال. وأشارت المصادر إلى رسالة تهنئة من الرئيس عبدالله غول إلى الرئيس الموقت عدلي منصور في ذكرى «ثورة يوليو»، لكن أحداث فض الاعتصام في «رابعة العدوية» جاءت بعد الرسالة وقطعت الطريق على أي تقارب. وتابعت المصادر أنه جرى لاحقاً الترتيب للقاء بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع نظيره المصري نبيل فهمي في نيويورك على هامش الجمعية العمومية في أيلول (سبتمبر) الماضي، «لكن الطرف المصري تراجع بشكل مفاجئ بعد الاتفاق على موعد اللقاء والإعلان عنه». ولم يتضح فوراً ما إذا كان الجانب المصري يوافق على الرواية التركية عن أنه من تراجع عن عقد اللقاء. في غضون ذلك، أبدى الرئيس عبدالله غول أسفه لوصول العلاقات بين تركيا ومصر إلى هذه الدرجة، معبّراً عن أمله في تجاوز الأزمة سريعاً. وكان غول قد أبدى موقفاً أكثر اعتدالاً تجاه أحداث مصر من موقف الحكومة ورئيسها أردوغان.