ريمون دوباردون (Raymond Depardon) فنان فرنسي يبلغ من العمر 71 سنة، يحترف التصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي لا سيما في ميدان الأفلام التسجيلية. وهو من مؤسسي وكالة «غاما» (Gamma) للتصوير التي غيرت في عز الستينات من القرن العشرين مفهوم عمل المصور المحترف، فاتحة أمامه باب الحرية المطلقة في التنويع والابتكار، خصوصاً أنها منحته فرصة العثور على مواضيع شيّقة وجديدة بصرف النظر عن كلفة تحقيقها فنياً. وفي العام 1978 ترك دوباردون وكالة «غاما» إثر خلافات جوهرية نشأت بين العديد من أفرادها، والتحق بمجموعة «ماغنوم» (Magnum) المعروفة بجديتها وفعاليتها الفنية والمهنية. وبدأ يتنقل ويغطي الأحداث الساخنة في أركان العالم الأربعة، مثل حرب لبنان وحرب أفغانستان وسقوط جدار برلين والمجاعة في أفريقيا السوداء. وأخرج أيضاً أفلاماً تسجيلية تتناول المعاناة التي تعيشها الشعوب الخاضعة للفقر أو الدكتاتورية. وحصد دوباردون عدد كبير من الجوائز الفنية القيّمة عن أعماله في ميداني التصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي التسجيلي. وأراد أن يضيف إلى تحقيقاته العالمية نبرة محلية بحتة كانت تنقص الميدان الإعلامي الفرنسي. وتلخصت هذه النبرة في الدخول إلى أماكن ممنوعة كلياً على المصورين والسينمائيين مثل السجون والمحاكم وأقسام الشرطة وغُرف الطوارئ في المستشفيات، والتقاط اللحظات الحاسمة في حياة الناس والتي لا يراها الجمهور العريض أبداً. وكافح دوباردون للحصول على التصريحات الضرورية حتى يتحول حلمه إلى واقع، ولولا نفوذه إلى شهرته وشعبيته ومكانته في الإعلام المصور والجوائز التي حصل عليها، وقدرته على فضح بعض الأمور السياسية، لما فتحت أمامه أبواب الأماكن المذكورة. وقد افتتح أخيراً معرض «ريمون دوباردون: لحظة بمثل هذه النعومة» (Raymond Depardon: Un moment si doux)، في متحف «غران باليه» (Grand Palais) الباريسي، ليستمر حتى العاشر من شباط (فبراير) 2014. وهو يقدّم لزواره مجموعة هائلة من أعمال دوباردون المصورة والسينمائية أيضاً، عبر لقطات من أفلامه التسجيلية، عدا عن المستندات المكتوبة المفسرة لتفاصيل رحلاته والصعاب التي تعرض لها أثناء إنجازه تحقيقاته هنا وهناك. وينقسم المعرض ثلاثة أجزاء منفصلة، يتناول أولها الفترة التي اكتشف فيها دوباردون حب التصوير، فراح يمارس هوايته ملتقطاً صوراً لأهله وللبيت العائلي في الريف الفرنسي وللجيران والأصدقاء. ويحمل هذا الجزء عنوان «سنوات التخطف» (Les Années déclic). بينما يتناول الجزء الثاني بعنوان «مراسل» (Reporter) التحقيقات المصورة التي نفذها دوباردون خلال رحلاته إلى بيروت وغلاسكو وتشيلي. ويُخصّص الجزء الثالث الذي يحمل عنوان المعرض، أي «لحظة بمثل هذه النعومة»، الأعمال الفنية التي أنجزها دوباردون خصيصاً لهذا المعرض، في فرنسا وأميركا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية وأفريقيا السوداء. وهي تشع بنوع من الهدوء والطمأنينة والتفتيش العميق عن السعادة، على عكس مضمون الصور الذي تزخر بها تحقيقاته وأفلامه في الماضي، والمبني إلى حد كبير على العنف السائد في العالم. وإضافة إلى ذلك كله، هناك قسم الأفلام السينمائية التسجيلية التي أخرجها دوباردون على مدى أكثر من 35 سنة، وهو يحتل مكانة خصوصية في قاعة منفصلة كلياً عن صالات عرض الأعمال الفوتوغرافية.