كانت الفتاة الشقراء الواضحة الملامح الغربية تستمع الى شرح صديقها العربي، عندما قاطعهما ثالث، وهو كما يبدو احد المستشرقين ليسألهما إن كانت لغة الشروحات المرافقة للرسوم في معرض «الإسلام عقيدة وعبادة» فارسية أم تركية. «طريقة الرسم تبدو فارسية ولكن لغة شروحاته تبدو غير فارسية»، قال. بدا للحظة أن الأجانب في المعرض يفوقون عدد العرب فيه، فالإمارات - أبو ظبي تحديداً - التي تتوقف فيها خلال شهر رمضان كل النشاطات الثقافية والفنية، حوّلت هذا الشهر الى مناسبة ثقافية دينية، وراح أجانب مقيمون في العاصمة يستكشفون الثقافة الإسلامية. نظمت المعرض «هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث» بالتعاون مع وزارة السياحة والثقافة التركية، وجمعت مقتنياته من سبعة متاحف ومكتبات وطنية في تركيا من بينها متحف قصر توبقابي ومتحف الفنون التركية والإسلامية. أراد المعرض أن يقدم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين من خلال سبع غرف في قاعة كبيرة مخصصة للمعارض في قصر الإمارات الفخم، في مناخ تزيده رهبة الموسيقى والأناشيد المرافقة المختلفة في كل غرفة بحسب موضوعها. بداية بالخلق في غرفة سوداء بالكامل يتوسطها صندوقان رمزيان يحملان طبلاً ومزماراً، الطبل للإعلان عن خلق الإنسان والمزمار للإشارة الى النفخ في الروح. وفي الغرفة الثانية تأتي قصة حياة الرسول، يعلو سقفها نقش «الأزلية» المعروف في الإسلام. أما القصة فتأتي عبر خمسة عشر رسماً، اختيرت من مجموع الرسوم الأصلية التي تصل الى نحو 700 منمنمة من مجلدات كتاب «سيرة النبي». بعد صدور الكتاب ب 200 سنة، استحوذ على اهتمام كبير من البلاط العثماني فأمر السلطان مراد الثالث برسمه لكن السلطان توفي قبل اكمال الكتاب الذي تسلمه السلطان محمود الثالث. ويقع الكتاب في ستة مجلدات موزعة بين متحف طوبقابي في تركيا ومكتبة نيويورك العامة ومكتبة شيستر بيتي في دبلن. وفي الرسوم التي لا يضم معرض ابو ظبي الا عدداً محدوداً منها، تبدو وجوه «اهل البيت» مغطاة وكأنها ترتدي حجاباً، اما وجوه الملائكة فمن دون ملامح، وإن بدت الرسوم ايرانية لذلك المستشرق السائح، فذلك لأن الفنانينالإيرانيين، كما هو معروف، هم من أسسوا المدرسة التركية لفن المنمنمات بعد استقدامهم من قبل السلاطين العثمانيين. وأوغلت هذه الرسوم في رسم التفاصيل في لوحات كبيرة مليئة بالألوان في تأثير واضح أيضاً للرسم الصيني الذي كان في اي حال، أساس كل الرسوم في المنطقة. وصوّرت احدى هذه الرسوم كيف علّم النبي زوجته خديجة الوضوء، وتبدو خديجة مكتملة الرسم كإمرأة من دون محو التفاصيل الدقيقة لإمرأة، ما عدا تغطية الوجه. أما اللوحة التي فاجأت تلك الفتاة الغربية فهي التي كان شرحها يقول: «يأتي جبريل عليه السلام إلى سيدنا محمد صلىّ الله عليه وسلّم ويقول ان الله عزّ وجل أرسله مع ألف من الملائكة لنصرة المسلمين، يفرح النبي ويسلّم بهذا الخبر، اما راعي المشركين فيصاب بالخوف لأن ابليس فرّ وتركهم ولأن الرعب ملأ قلوبهم». وفي الغرف التالية، يقدم المعرض لمبادئ الإيمان والعبادة والحج... من خلال عدد من المصاحف وأواني الصلاة والسيوف و «حلية السعادة» التي كانت تقدم كهدية لتمني السعادة للآخرين، وأغطية من الكعبة وحافظتين بلوريتين لشعر ذقن الرسول لكنهما كانتا فارغتين اذ لم ينقل الشعر حفاظاً عليه... وآخر غرف المعرض تحكي عن الموت، وتنتهي بباب خشبي بمصراعين، كرمز للخروج من عالم الدنيا الى الآخرة.