السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    هل ينهض طائر الفينيق    التعاون يتغلّب على الخالدية البحريني بثنائية في دوري أبطال آسيا 2    «الكوري» ظلم الهلال    «فار مكسور»    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    شخصنة المواقف    النوم المبكر مواجهة للأمراض    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    الفيحاء يواجه العروبة.. والأخدود يستقبل الخلود.. والرياض يحل ضيفاً على الفتح    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    الذكاء الاصطناعي والإسلام المعتدل    نور الرياض يضيء سماء العاصمة    قيصرية الكتاب تستضيف رائد تحقيق الشعر العربي    الشائعات ضد المملكة    الأسرة والأم الحنون    سعادة بطعم الرحمة    تميز المشاركات الوطنية بمؤتمر الابتكار في استدامة المياه    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    «مساعد وزير الاستثمار» : إصلاحات غير مسبوقة لجذب الاستثمارات العالمية    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    60 صورة من 20 دولة للفوتوغرافي السعودي محتسب في دبي    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    باحثة روسية تحذر الغرب.. «بوتين سيطبق تهديداته»    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    إشادة أوروبية بالتطور الكبير للمملكة ورؤيتها 2030    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    مشروعات طبية وتعليمية في اليمن والصومال.. تقدير كبير لجهود مركز الملك سلمان وأهدافه النبيلة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معتقل غوانتانامو في ختام عامه الثاني عشر
نشر في الحياة يوم 17 - 11 - 2013

مرت هذا الأسبوع الذكرى الثانية عشرة لإصدار الرئيس السابق جورج دبليو بوش مرسومه الذي شرّع تحويل قاعدة غوانتانامو، هذه الرقعة الصغيرة من جزيرة كوبا والواقعة تحت السيطرة العسكرية الأميركية، إلى معتقل للمشتبه بضلوعهم في نشاط إرهابي معادٍ للولايات المتحدة. وخلال هذه الأعوام، إذ شهد المعتقل توافد قرابة ثمانمئة معتقل، فإنه، وفق أية قراءة مجردة، لم يحقق من النتائج ما يبرر إقامته، بل شكل وحسب وصمة تستنزف صدقية الولايات المتحدة في ادعاء حرصها على حقوق الإنسان وانصياعها للقانون الدولي. بل في ما يتعدى الجوانب المؤسساتية، فإن استمرار غوانتانامو، دون اعتراض جدي من المجتمع الأميركي، يكشف عن قصور وتقصير لدى هذا المجتمع في التعامل مع «الآخر» المسلم والعربي.
لا شك يمكن تفهم فعل تأسيس معتقل غوانتانامو. فالولايات المتحدة، في أعقاب اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) شهدت على أكثر من صعيد محاولة استيعاب مقتضيات المرحلة الجديدة. والطرح الأبرز يومئذ كان عدم مناسبة الأدوات القانونية المتوافرة، سواءً منها الأميركية أو الدولية للواقع المتحقق، حيث العدو ليس دولة أو جيشاً نظامياً كي يجري تطبيق الاتفاقيات الدولية بشأن طبيعة المواجهة وأسرى الحرب، بل العدو في الحالة الجديدة، يرفض هذه الاتفاقيات جهاراً، وإذ يعتبر نفسه ملزَماً بأصول معينة للقتال، فإنه، من حيث الممارسة، بل المبدأ، يتيح لنفسه الإقدام على ما يفترض أن يكون من المحرمات، من قتل المدنيين إلى الاختطاف والذبح والتشهير.
غير أن الانتقال من هذه المخاوف إلى تطبيق يعالج تداعياتها لم يتحقق، بل جاء تشكيل معتقل غوانتانامو مشوباً بالنواقص. فالإبهام التشريعي الذي أحاط بالمعتقل، والتفضيل المتكرر في حالات الموقوفين ذوي الأهمية لاستعمال سبل أخرى للتحقيق معهم (سواء منها ما هو أكثر وضوحاً في صلاحياته، أي النظام القضائي الاتحادي القائم، أو ما هو أكثر «فعالية» في وسائل تحقيقه، أي السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية) جعل من معتقل غوانتانامو مستودعاً للموقوفين الأقل خطورة أو أهمية. بل إن وسائل الاستحصال على سجناء غوانتانامو جاءت لتكرس دور هذا السجن في احتواء المعتقلين من غير ذوي الأولوية، من الذين صدّرتهم سجون أفغانستان، وهؤلاء بدورهم في الكثير من الحالات كانوا «حصاداً» جمعته عشائر متعاونة مع القوات الأميركية من العرب المتواجدين في أفغانستان، من دون اعتبار لانتماءاتهم الدعوية أو الخدماتية أو الجهادية.
ولكن، في حين أن غوانتانامو لم يكن يحوي «أخطر الإرهابيين»، فإن التعامل معه، رسمياً وشعبياً، كان في البدء على أساس أن وجوده ضرورة أمنية، بل كانت الدعوة في الغالب إلى التشديد في الإجراءات التي قام على أساسها. فالكلام عن ضرورة احترام حقوق المعتقلين كان يجابه بالاتهام بالسذاجة أو حتى العمالة. ولإثبات خطورة المعتقلين، غالباً ما كانت ترد الإشارة إلى عدد من الذين أطلق سراحهم والذين انضموا إلى منظمات معادية.
المفارقة هنا هي أن رجحان ثبوت التهمة على بعضهم كان يطرح على أنه حجة كافية لضرورة الاستمرار بإنكار الحقوق للجميع وبالاستمرار باعتقالهم، وهي معادلة تناقض المفهوم الأميركي للعدالة، والتي تعتمد مبدأ أن إفلات المذنب من العقاب خير من احتمال معاقبة البريء. فغوانتانامو كان إحدى أهم التجارب في تشكيل منظومة عدالة بمكيالين. ولم تنفع تحذيرات بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان من أن هذا التمييز قد ينسحب بالتدريج على ما يتعدى التعريف المحدود للآخر الذي يجري التغاضي عن حقوقه، أي المشتبه بانخراطهم بالإرهاب من غير المواطنين. وبالفعل، كما جرى في استهداف بعض المواطنين الأميركيين المرتبطين بتنظيم القاعدة فإن توسيع نطاق المشمول بالاستثناء قد تعرض للتوسيع.
غير أن أخطر ما خلفته تجربة غوانتانامو هو تطبيع التعذيب، وإن تحت مسميات تطمس حقيقته. فلا شك في أن ظروف اعتقال سجناء غوانتانانو تشكل على حد سواء إنكاراً لإنسانيتهم، من خلال تدابير بشأنهم أشبه بتلك المعتمدة مع الحيوانات المفترسة، من تكميم وتكبيل وإيداع في الأقفاص، وذلك باسم ضمان الأمن للسجانين وللسجناء أنفسهم. وفي حين أن الإضراب عن الطعام قد يكون آخر ما تبقى لهؤلاء السجناء لتأكيد سيادتهم على أنفسهم، فإن سلطات المعتقل، تحت مسمى المحافظة على حياتهم، تنكر لهم هذا الحق، بل تلجأ إلى أساليب تغذية إلزامية بالأنابيب تتسبب بالألم لدفعهم إلى التخلي عن إضرابهم. وذلك دون أن تلقى هذه الممارسات أي اعتراض فعلي من عموم المجتمع الأميركي.
عدد ضئيل من معتقلي غوانتانامو جرت محاكمته، والتهم، حين ثبتت، كادت أن تقتصر على تهمة خفيفة هي تقديم الدعم للمنظمات المعادية، أي أنه لا تناسب بين التهمة وبين إجراءات الاعتقال، وحتى هذه التهم في بعض الحالات جرى نقضها، أما الغالبية العظمى من المعتقلين، فقد أمضوا الأعوام الطويلة، دون تهمة ودون محاكمة، في فراغ قانوني ليس ما يبرره على الإطلاق. وفي حين أن معظم المعتقلين قد خرج من المعتقل، من خلال تسليمه لسلطات بلاده بعد سنوات طويلة من الاعتقال، فإن من تبقى، وعدده مئة ونيف، ليس من أفق واقعي لإخراجه. أي أنه معتقل إلى أجل غير مسمّى دون اتهام ودون محاكمة.
وإذا كان الرئيس أوباما، في إطار مواقفه الخطابية التقدمية، قد أعلن العزم عن إغلاق هذا المعتقل، فإن ولايته الثانية تكاد أن تنقضي دون أن يتحقق الوعد، وإن كان مؤيدو الرئيس يلقون تبعة ذلك، باعتذارية تتكرر في أكثر من موقف، على خصومه الجمهوريين.
واقع الأمر أن المؤسف ليس تلكؤ الرئيس، وهو أمر معتاد في سياساته عامة، ولا تعنت خصومه، وهي حالة دائمة إزاءه، إنما بغياب الحرج لدى الجمهور الأميركي من ممارسات شاذة ومخالفة للقيم الأميركية على مدى أكثر من عقد. ففي هذا الغياب نقض صريح لاستثنائية تنسبها الثقافة الأميركية لنفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.