اكتشف باحثون أميركيون أخيراً أنواعاً من الخلايا العصبية القوية في مُكون في الدماغ المسماة «الغدة اللوزية» Amygdala التي تتحكم في مدى انخراط الحيوان في السلوكيات الاجتماعية والأنماط الشخصية غير الاجتماعية المتكررة. وتتجمع تلك الخلايا في منطقة من الدماغ سماها البحاثة «الدائرة المتأرجحة». وربما ينطوي الاكتشاف على آثار لفهم اختلالات الدوائر العصبية التي تكمن وراء مرض «التوحد» («أوتيزم» Autism) عند البشر. وحدث اكتشاف «الدائرة المتأرجحة» على يد فريق علمي قاده باحث اسمه ويزه كونغ، يعمل اختصاصياً في «مختبر ديفيد جي. أندرسون» وأستاذاً لعلم البيولوجيا في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» وباحث في «معهد هوارد هيوز الطبي». ونُشِرَت ورقة على الإنترنت عن الاكتشاف عينه في الموقع الإلكتروني لمجلة «الخلية» («ذي سيل» The Cell) الشهيرة. كما صدر تعليق عن البحث من «مختبر أندرسون»، أشار إلى أن العلماء كانوا يعلمون عن وجود تسلسل في السلوكيات، بمعنى أن الحيوان لا يمكنه أن يظهر السلوكيات الاجتماعية وغير الاجتماعية في الوقت نفسه، واستطاعت الدراسة معرفة طريقة إنجاز الدماغ لنوعي السلوكيات. اكتشف الفريق العلمي نوعين من الخلايا العصبية المختلطة في «الغدة اللوزية»، وهي جزء من الدماغ متعلقة بالسلوكيات الاجتماعية الفطرية. يعزز أحد النوعين السلوكيات الاجتماعية كالتزاوج والقتال كفريق، والعناية الاجتماعية، في حين يتحكم النوع الآخر بعناية الشخص بنفسه، وهو سلوك غير اجتماعي. وأثار اهتمام الفريق أن نوعي الأعصاب مختلفان بما يتفق مع تقسيم أساسي للخلايا العصبية في الدماغ. واستطاعوا التمييز بين «الخلايا العصبية الاجتماعية»، وهي مجموعة عصبية تطلق مواد كيماوية مهدئة، في حين أن «الخلايا العصبية المتعلقة بالعناية الشخصية» تفرز مواد كيماوية منبهة. من أجل دراسة العلاقة بين نوعي الخلايا والسلوكيات المرتبطة بها، استخدم العلماء مفاهيم تتصل بعلم البصريات الوراثي، ومنها أن المُكونات الوراثية في الأعصاب تتأثر بالخبرات البصرية للكائنات الحية. واستناداً إلى ذلك المفهوم، تمكن الفريق الأميركي من قراءة النشاطات المرتبطة بنوعي الخلايا السلوكية في «الغدة اللوزية». وتبين لهم أن سلوك الخلايا العصبية الاجتماعية، يعتمد على حدة الإشارة الضوئية، بمعنى أن تكثيف الضغط الضوئي عليها يحفز سلوكاً عدوانياً، فيما ينخفض ذلك السلوك مع تقليل الضغط عليها. وفي المقابل، أدى تحفيز الخلايا العصبية المرتبطة بالسلوك غير الاجتماعي، إلى تعميق العناية بالذات، كغسل الجلد والوجه. وفي منحىً آخر، فوجئ الفريق العلمي بوجود تداخل مكثف بين وظائف كلا النوعين العصبيين، على رغم تعاكسهما وظيفياً. إذ أدى تفعيل الخلايا العصبية الاجتماعية إلى منع سلوك العناية الشخصية، والعكس بالعكس. في حين أن تنشيط الخلايا العصبية المتعلقة بالعناية الشخصية يمنع السلوك الاجتماعي. وبالتالي، يبدو أن هاتين المجموعتين من الخلايا العصبية تعملان في شكل متأرجح، فتسيطر إحداهما على السلوك في حال تطلب الأمر ذلك، كحال القتال المشترك، فيما يهيمن النوع الآخر عندما تفرض الأحوال تنشيطه، كهيمنة سلوك العناية بالذات عند انتهاء التقاتل.