تخرج في شهر رمضان إعلانات حساب «إبراء الذمة»، كما هو حال بقية حسابات «الزكاة» و «صدقات» الجمعيات الخيرية، على الطريقة الإعلانية الرمضانية «حصرياً في رمضان»، طمعاً في استيقاظ الضمائر، بعد سباتٍ طوال أشهر السنة، لا يقطعه إلا بيانات بنك التسليف السعودي عن مجموع ما أودع في الحساب، وعلى هامش السبات تساؤل: «هل ينحصر العمل الخيري فقط في رمضان؟». وعلى أوراق الصحف السعودية، اعتادت عين القارئ السعودي على ترويسة الآية القرآنية الكريمة «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية» فوق إعلانات النعي والتعزية، تتبعها -أحياناً- بعد انتهاء أيام العزاء، إعلانات «إبراء الذمة»، في طقسٍ بروتوكولي يتكرر طوال العام ولا ينحصر في رمضان فقط، وينسى الورثة فيه كثيراً «إبراء ذمة» فقيدهم الراحل. بالمثال، ارتبط «إبراء الذمة» في الثقافة الاجتماعية المحلية بالمخالصة المالية مع الدنيا قبل ساعة الوفاة، على رغم علاقته بحقوق الناس المادية والمعنوية، فيما ارتبط إعلامياً في أذهان السعوديين، بحساب «بنك التسليف السعودي» الخيري الذي أعلنت وزارة المالية عن افتتاحه في أحد المصارف السعودية عام 2005، والذي جاء -بحسب البنك- «للراغبين في إيداع أي مبالغ مأخوذة بغير وجه حق أو مبالغ على سبيل الهبة أو الوقف النقدية، ليقوم البنك السعودي للتسليف والادخار باستخدامها لمساعدة المواطنين من ذوي الدخل المنخفض لأغراض اجتماعية مثل الزواج ومساعدة الأسر التي تواجه ظروفاً مالية صعبة»، وتجاوزت المبالغ المودعة فيه أكثر من 162 مليون ريال، بحسب آخر إعلان للبنك في آب (أغسطس) الماضي. في الصورة يبدو اختلال الموازين واضحاً، بين أشخاصٍ أخذوا أموالاً دون وجه حق أو أشخاص في أموالهم حق، وجهاتٍ رسميةٍ على الجانب الآخر تبدو حانيةً وتدعو ضمائر المخطئين والنائمين للاستيقاظ في رمضان دوناً عن بقية الشهور من جهة، وتحاول الالتفاف -ولو لفظياً- لمساعدة المحتاجين، وهو ما يتطلب النظام والقانون، وهو ما يشير إليه الأكاديمي الاقتصادي والكاتب الاجتماعي محمد بن فهد القحطاني في حديثه إلى «الحياة»: «عندما تترك الأمور لأخلاقيات الناس فإن الأمر لا يستقيم» مؤكداً أن «القضية ليست في أخلاقيات الناس وخوفهم من الله وإحساسهم الديني، والذي كان له التأثير الواضح في المجتمع قبل 30 و 40 سنة، لكن يفترض أن تأتي القوانين لحماية الجميع». ويدلل الدكتور القحطاني بطريقة إدارة أموال الزكاة: «هناك مشكلة كبيرة، فلا أحد يطلب حسابات الأرباح والخسائر للتأكد من دخل الأفراد والشركات، والعملية متروكة اختياراً بين الشخص وربه، وهذا أمر لا يجوز»، مطالباً: «بمراجعة ومعاقبة الجهات التي تتلاعب». وفي إعلانات الشوارع والصحف تظهر الزكاة والصدقات من الدرجة، نفسها وهنا يؤكد القحطاني على أن: «الزكاة هي حق الفقراء في أموال الأغنياء، ووسيلة لإعادة توزيع الثروة حتى لا تتكدس الأموال وينقسم المجتمع إلى طبقة ثرية وطبقة مسحوقة» مشيراً إلى «خلط بين الزكاة والعمل الخيري».