امتنعت الكتل النيابية الثلاث الرئيسة في المعارضة اللبنانية عن تسمية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة التي بدأها رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس وتستمر اليوم، ما يعني توقع حصوله على أصوات أكثرية 73 نائباً هم 71 نائباً يمثلون قوى 14 آذار وحلفاءها ونائبا حزب الطاشناق الأرمني من المعارضة، بعدما كان نال أصوات 86 نائباً في تكليفه الأول في 27 حزيران (يونيو) الماضي حين سمته كتلة رئيس البرلمان نبيه بري. وربطت الكتل المعارضة الثلاث التي لم تسم الحريري التعاون معه في تأليف الحكومة لاحقاً بما سيطرحه، فرهنت كتلة بري هذا التعاون بقيام حكومة وحدة وطنية على قاعدة صيغة 15 وزيراً للأكثرية و10 للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية، فيما اكتفت كتلة «حزب الله» بإبداء استعدادها للتعاون بالتوجه لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية من دون أن تحدد الصيغة، فيما تحدث زعيم «التيار الوطني الحر»، باسم تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون عن أن الأزمة تصاعدية لكنه دعا الى الحوار. وفيما علمت «الحياة» أن مساعي سبقت الاستشارات لتذليل العقبات من أمام تأليف الحكومة والتي أفضت الى اعتذار الحريري الخميس الماضي، خصوصاً مطالب العماد عون، فإن هذه المساعي لقيت الفشل بعدما اقترح الرئيس بري عقد اجتماع محدود لبعض أقطاب الموالاة والمعارضة برعاية الرئيس سليمان، فطرح الأخير وفريق رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أفكاراً عن سلة نقاط لمعالجتها في الاجتماع فصرف النظر عنه. وتوقعت أوساط سياسية مواكبة أن يطول البحث في تأليف الحكومة بعد إعلان سليمان تكليف الحريري مجدداً اليوم، إذ أن عيد الفطر سيحل يوم الأحد المقبل على الأرجح، بعد إجراء الرئيس المكلف مشاورات نيابية حول تشكيل الحكومة يومي الخميس والجمعة، لتتجمد الاتصالات خلال أيام العيد، فيما يغادر الرئيس سليمان بيروت الى الأممالمتحدة مساء الثلثاء 22 الجاري لإلقاء كلمة لبنان في الأممالمتحدة، ما يعني أن تكثيف البحث في التشكيلة الحكومية لن يحصل قبل نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل. ويأمل بعض المتابعين بأن يشكل الوقت المستقطع للعيد ولسفر سليمان فسحة لاتصالات بعيدة من الأضواء قد تساعد على حلحلة العقد وعلى كشف أوراق التفاوض من قبل الفرقاء المعنيين بإنهاء أزمة تأليف الحكومة، لا سيما أن هناك محطات خارجية قد تتيح مساهمة خارجية ما في وضع اللبنانيين على التوافق. وقالت مصادر ديبلوماسية معنية في بيروت ل «الحياة» أن الوضع اللبناني سيكون مدار بحث في أنقرة بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال المحادثات التي يجريها الأسد اليوم في أنقرة حول الأزمة السورية – العراقية والوضع في المنطقة. وذكرت هذه المصادر أن الجانب التركي أبدى اهتماماً بالاطلاع على ما يجري على صعيد أزمة التأليف الحكومي. وفي باريس علمت «الحياة» من مصدر ديبلوماسي غربي أن سورية «أبلغت قطر خلال زيارة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل جبر آل ثاني الأسبوع الماضي أنه في حال أرادت قطر الدعوة الى عقد مؤتمر الدوحة الثاني للفرقاء اللبنانيين من أجل مساعدة اللبنانيين على التفاهم على تشكيل الحكومة، فإنه ينبغي أن يتم ذلك بعد الاتفاق مع المملكة العربية السعودية وإلا لا حاجة الى دوحة - 2». من جهة ثانية علمت «الحياة» من مصادر مطلعة في باريس أن هناك احتمالاً كبيراً لأن يزور رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون لبنان للمشاركة في افتتاح الألعاب الفرنكوفونية في 27 الجاري. وعلمت «الحياة» أن القرار الفرنسي غير نهائي في هذا الصدد لكن البحث في هذا الاحتمال يشير الى اهتمام فرنسا ورئيس حكومتها بالتطورات الحاصلة في لبنان. وعلى صعيد الدفعة الأولى من الاستشارات التي أجراها سليمان أمس لتسمية الرئيس المكلف أكد نواب شاركوا فيها أن سليمان ركز في معرض استماعه الى آراء رؤساء الكتل النيابية على ضرورة التهدئة ووقف السجالات الإعلامية من أجل الوصول الى تفاهم في شأن تأليف الحكومة انطلاقاً من أن الجميع يأخذ في الاعتبار الوضع المتأزم في المنطقة الذي يستدعي التعاون لمواجهة كل التحديات. وشدد سليمان، بحسب قول عدد من النواب ل «الحياة» على ضرورة احترام الأصول الدستورية في جميع المراحل المنصوص عنها في الدستور بخصوص تسمية الرئيس المكلف ومن ثم تأليف الحكومة. ونقل النواب عن سليمان تأكيده احترام الحريري للدستور واستعداده للتضحية والإبقاء على اليد الممدودة باتجاه جميع الأطراف أملاً بأن تنجح المشاورات في تخطي العقبات التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة الجديدة. أما في شأن عدم تسمية كتلة بري أي مرشح لتأليف الحكومة، فقالت مصادر في الكتلة أن نوابها تدارسوا مع بري الموقف الأخير للحريري مساء أول من أمس ورأوا فيه مرونة وانفتاحاً على الفريق الآخر أكثر من موقفه الذي أعلنه مساء الأحد الماضي، لكنهم لاحظوا في الوقت نفسه إنه لم يأت على ذكر أي موقف من تشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة 15-10-5 وأن ما قاله في هذا الشأن في المرة الأولى يعبر عن رغبته في قيام هذه الحكومة قبل أن يعتذر، لكنه تجنب في خطابه مساء أول من أمس إطلاق أي إشارة باتجاه التزامه بها وبصيغتها. واعتبرت المصادر نفسها أن تكليف النائب علي حسن خليل تلاوة البيان باسم الكتلة بعد اللقاء مع سليمان يمكن أن يبقي الباب مفتوحاً أمام الرئيس بري ليقول اليوم كلمته الفصل لرئيس الجمهورية أثناء زيارته لبعبدا للاطلاع على نتائج الاستشارات التي تسبق استدعاء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، إنما شرط أن يبادر الحريري الى تأكيد التزامه بالحكومة وبالصيغة المتفق عليها. وقالت مصادر في قوى 14 آذار أنها لم تفاجأ بعدم تسمية كتلة بري، للحريري. وكشفت انها كانت تتوقع عدم تسميته في المرحلة الأولى من الاستشارات بحجة أنه تراجع عن التزاماته السابقة، «مع أن الجميع على علم بموقفه من حكومة الوحدة الوطنية ولا مبرر للابتزاز الذي تمارسه الأقلية عليه والذي تجلى أخيراً بتبني مطالب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بالكامل من دون أي تعديل». وأكدت أن المشكلة ليست في الصيغة إنما في إصرار الأقلية على شروطها وتعاطيها مع الحريري على أنها حقوق غير قابلة للتنازل عنها أو التعديل فيها. وقال الحريري مساء أمس في إفطار للجمعيات الرياضية والشبابية: «اليوم بدأت الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف وسمى من سمى وهناك من لم يسم وهذا حقه الدستوري، لأنه لا بد من أن نحتكم الى الدستور». وأضاف: «لست زعلاناً أو لدي موقف سياسي من الذين لم يسموني. ومن المؤكد أنني في التفاوض (من أجل تشكيل الحكومة) أنا سأتبع الدستور مثلما هم لهم الحق دستورياً ألا يسموني، وقالوا إنهم سيتعاونون». وأكد أن احترام الدستور «يعني تطبيقه لا أن نضعه جانباً. ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية حتى اليوم شكلت الحكومة والبلد بدأ ينعم بالنمو والاستقرار الاقتصادي ثم جرت الانتخابات النيابية (أشاد بوزير الداخلية زياد بارود ووزير الأشغال غازي العريضي اللذين كانا حاضرين) ومشينا وفق الدستور وبدأ البلد مجدداً يمشي على خط الاستقرار». وتابع: «حين نخرج عن الدستور والقواعد يجنح البلد عن الاستقرار. وقبل انتخاب الرئيس كانت هناك حالة ضياع واليوم انتهينا منها. ونحن قلنا إننا نريد حكومة وحدة وطنية. والآن سيبدأ التفاوض ومن جهتي سأحكي أقل وأقل وأعود الى مسيرتي السابقة، أي الى مفاوضات بحكمة وهدوء، إنما على أساس ما نص عليه الدستور». وكرر قوله: «إن سمّوا أم لم يسمّوا سنخوض المفاوضات بهدوء ومنطق وحكمة. ولأكن واضحاً منذ الآن. هناك أكثرية ستبقى ولا أحد يمكنه تغييرها فهي ربحت الانتخابات. وهم لو ربحوا الانتخابات ضمن الدستور لكنا احترمنا إرادة الناخبين. ولذلك أتمنى أن تبقى اللعبة في إطار الدستور». وتوجه الى عائلات الشهداء الذين سقطوا مع والده قائلاً: «نسمع كلاماً مشجعاً في ما يخص المحكمة الدولية وأن التحقيقات تتقدم وهذا يريح اللبنانيين أجمعين لأن لا أحد يريد ألا تطبق العدالة. ثمن الاغتيال كان غالياً على البلد وجميع اللبنانيين وإن شاء الله نصل الى الحقيقة والعدالة لأن الحريري لم يلجأ الى العنف وكان ضده». وفي نيويورك طلب السفير اللبناني لدى الأممالمتحدة نواف سلام من كل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري السفيرة الأميركية سوزان رايس أن يصدرا «إدانة قوية» للقصف الإسرائيلي لبلدة القليلة في جنوب لبنان الأسبوع الماضي رداً على صاروخين انطلقا من المنطقة نفسها نحو شمال فلسطين. وتحدى السفير اللبناني مزاعم إسرائيل بأن لها «حق الدفاع عن النفس» تبريراً لعملها وقال إن هذا القصف العنيف المدروس مسبقاً والمبالغ فيه يشكل خرقاً لإجراءات متفق عليها تتعاطى مع الحوادث عبر الخط الأزرق من دون اللجوء الى إجراءات أحادية. وتابع سلام في رسالتين متطابقتين الى بان ورايس أن الإجراء الإسرائيلي يتجاوز تلك الإجراءات ولا ينطبق عليه تعبير الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأممالمتحدة «وبالتالي تجب إدانته بقوة». ولفت سلام الى أن القوات المسلحة اللبنانية والقوات الدولية في جنوب لبنان «يونيفيل» بدأتا معاً التحقيق في حادثة إطلاق الصواريخ للتعرف الى هوية مرتكبيها. وقال في رسالتيه إن الحكومة اللبنانية «دانت إطلاق الصواريخ وتعهدت التحقيق في الحادثة ومحاسبة الذين ارتكبوها». ووصف سلام الرد الإسرائيلي بأنه «تصرف غير مسؤول ويستحق الشجب، يضاف الى الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقرار 1701 بما فيها الطلعات الجوية اليومية والتوغل في الأراضي اللبنانية، إضافة الى احتلال شمال الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا فيما نحن نعيد تأكيد التزامنا الثابت بالقرار 1701 وبالتعاون المستمر بين القوات المسلحة اللبنانية واليونيفيل». وطلب مندوب لبنان توزيع رسالته كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.