يعتبر افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا في يوم العيد الوطني السعودي في 23 أيلول (سبتمبر) تطوّراً مهماً في تاريخ المملكة الحديث على صعيد الانفتاح الثقافي والعلمي في المملكة والشرق الأوسط. فهذه الجامعة التي تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين، وتقع شمال مدينة جدة على البحر الأحمر في رابغ فريدة من نوعها. فهي تقدم للطلاب المتخرجين مجالاً للتخصص بعد التخرج في جميع أنواع العلوم والتقنيات. واوكل الملك عبدالله رئاسة مجلس إدارة الجامعة لوزير النفط السعودي المهندس الجيولوجي علي النعيمي ليجول في العالم ويختار أبرز الأساتذة ورؤساء جامعات عالمية. ولا شك أن دولة نفطية مثل السعودية التي لديها أكبر احتياطي نفطي في العالم وعائدات من ثروتها الطبيعية تجعلها من أغنى الدول، تمكنت من بناء دولة حديثة ببنيتها التحتية وقطاعاتها الحيوية المختلفة إلا أنها على صعيد برامجها الثقافية والدراسية بقيت تعاني من مستوى متأخر لا يتناسب مع حداثة الدولة. وكثير من السعوديين الذين لديهم الإمكانيات يرسلون أولادهم للدراسة في الخارج لهذه الأسباب ولأنهم يريدون لهم أفضل العلم. وعلى صعيد النفط أظهرت المملكة بشركتها العملاقة «أرامكو» السعودية نجاحاً كبيراً في تحقيق السعودة في شركة دولية تعمل على نمط الشركات العالمية العملاقة. وأرامكو نفسها ساهمت في بناء هذه الجامعة. فالجامعة التي تمتد على مساحة 36 مليون متر مربع على شاطئ البحر الأحمر بُنيت بواسطة شركتي الهندسة السعودية بن لادن وسعودي أوجيه، وقد شوهد ايمن نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأحد شركاء سعودي أوجي يراقب تنفيذ الأعمال على الورشة تحت حرارة صيف جدة ليتأكد ن الأمور تسير بشكل جيد. فالنعيمي وكبار مسؤولي أرامكو من رئيسها خالد الفالح والمسؤولين عن الجامعة في الشركة مثل نظمي النصر كانوا يزورون عواصم العالم بحثاً عن أفضل الأساتذة وأفضل الخبرات العلمية. واختاروا وتحدثوا الى أساتذة ورؤساء جامعات في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وآسيا في سنغافورة وهونغ كونغ ليكونوا أساتذة في جامعة الملك عبدالله. ومن بين أعضاء المجلس الاستشاري الدولي لهذه الجامعة أسماء بارزة مثل احمد زويل الحائز على جائزة نوبل للعلوم ورئيس «امبريال كولدج» في بريطانيا، ريشار سايكس والدكتور أوليفييه أبير رئيس معهد البترول الفرنسي ورئيس جامعة الملك فهد للبترول في الظهران الدكتور خالد سلطان. وستقدم هذه الجامعة للطلاب المتخرجين أحدث ما يوجد في العالم من دراسات متقدمة في العلوم والتكنولوجيا مع تجهيزات من أحدث الموجود عالمياً، حتى ان لديها مختبرات غير متوافرة في أكبر جامعات الولاياتالمتحدة. وهذه الجامعة ستساهم في انفتاح أكبر في المجتمع السعودي على صعيد الأجيال الصاعدة لأنها ستستقبل مزيج جنسيات من أفضل الأساتذة والطلاب تخرجوا في مناطق مختلفة من العالم وستكون نموذجاً في الدراسة العلمية المتقدمة في الشرق الأوسط. فالجامعة ستتعاون مع أكبر معاهد علمية في العالم وستعمل على جمع كفاءات علمية لتنفيذ اكتشافات في هذا المجال، حسب ما قال رئيسها علي النعيمي. فقد تم مثلاً الإعلان عن اتفاق تعاون مع شركة بوينغ لتشارك في برنامج التعاون الصناعي لجامعة الملك عبدالله للعلوم. أما رئيس قسم الهندسة الكهربائية للجامعة فهو شون فونغ شيه خريج جامعة هارفارد ورئيس جامعة سنغافورة الوطنية. لقد وصف الملك عبدالله الجامعة بأنها «بيت الحكمة» الجديد وقال انها ستكون «منارة للسلام والمصالحة والأمل وستكون في خدمة شعب المملكة ولمصلحة الشعوب...». وأصر العاهل السعودي على تاريخ 23 أيلول وهو اليوم الوطني السعودي لافتتاحها لتكون رمزاً لتقدم العلم والثقافة في المملكة. علماً أنه يتضارب مع مواعيد دولية عدة مثل الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأيضاً هو عشية قمة العشرين في بتسبورغ. لكن رمز إنشائها في اليوم الوطني هو أهم من كل ذلك في نظر العاهل السعودي الذي يريد دفع الانفتاح العلمي والثقافي في السعودية، وهو وفر كل الإمكانيات المالية لها لتكون بيت حكمة رائد في الشرق الأوسط.