لم يعد «توك شو» ولا «كلام شو»، بل صار «مذيع شو»! التفرد جزء أصيل منا، والتعريب إرادة شعب، والخصوصية سمة العرب. وبدلاً من أن يكون ال «توك شو» المستنسخ من قنوات العالم الغربي «شو» بمعنى الكلمة، حيث استعراض للأخبار، وعرض للتقارير، واستضافة للمشاهير، صار «مذيع شو»! بات السواد الأعظم من برامج ال «توك شو» استعراضاً لما قرأه المذيع، وعرضاً لما شاهده، واستضافة لمشاهير يعلقون على آرائه. وعلى قدر أهل ال «توك شو» تأتي عزائم المعلنين وأموال الممولين وعروض القنوات الأخرى. وفي الأحوال العادية، حيث تنعدم القلاقل السياسية، قد يتغاضى بعضهم عن نرجسية المذيع، وقد يتجاهل آخرون عدم مهنية القناة. ولكن، في أوقات الشدة، تتحول ظاهرة «المذيع شو» إلى قنبلة موقوتة تتفجر شظاياها كلما فتح فمه. ويتفاقم خطر القنبلة ويؤجج من آثارها كلما زادت شعبية المذيع والتف حوله المشاهدون، وهو ما يؤدي إلى زيادة إقبال المعلنين، ومن ثم شعبية المذيع وقيمته «التجارية» في سوق القنوات. وفي ظل غياب مواثيق الشرف الإعلامي، تنتعش الظاهرة وتتبلور وتتجذر لتتحول بمرور الوقت إلى مدرسة إعلامية قائمة بذاتها يصعب إصلاحها أو تهذيبها أو تحديدها. ويأبى الإبهار أن يبرح الشاشات العربية ويرفض الإدهاش أن يفسح المجال للجنسيات الأخرى، إذ يتسع المجال الفضائي لظاهرة أخرى لصيقة، ألا وهي «الضيف شو». صولات وجولات شخصيات بعينها على استوديوات الفضائيات الشهيرة جعلت منها نجوماً ذات انتشار وشعبية وقبول وكذلك قيمة مادية غير بسيطة. وعلى رغم أن ولادة عدد غير قليل من تلك النوعية من الضيوف التي تحولت نجوماً جاءت في استوديوات «المذيع شو»، إلا أنها باتت لا تتسع لكليهما معاً. فالنجم لا يتحمل سواه. المذيع المنفرد بالكادر المحلق في الفضاء المسيطر على المكان لا يتحمل ولا يقبل من ينافسه المكان والأضواء. لذلك، فإنه ما إن يتدرب الضيف ويتأهل ليكون «نجماً» ويتحول إلى طور «الضيف شو» يتم تسكينه في برنامج آخر حيث المذيع المسكين مهيض الجناح، ما يُمكّن الضيف من فرد جناحيه وسطوته. وقد يسلك الضيف مسلكاً آخر، فيدخل على خط المذيع، ويخلع حلة الضيف ويتحول مذيعاً باسطاً سيطرته على استوديو جديد حيث تترك الساحة له ليثبت جدارته في حلته الجديدة أو يعود أدراجه إلى خارج المنظومة برمتها. فالمطرود من جنة الشاشات يحظى بطلقة بائنة لا رجعة فيها، ومهما عاد في تلك القناة الأقل شعبية أو ظهر مجدداً على هذه الشاشة غير المرئية إلا لمموليها والعاملين فيها، تظل لعنة الطرد تلاحقه. وتبقى الحال على ما هي عليه حتى إشعار آخر. وعلى الباحثين عن «توك شو» في ردائه القديم حيث المعلومة والخبر ورأي الخبراء، النبش في الأرشيف أو البحث على «يو تيوب» أو مشاهدة «توك شو» دول أخرى وثقافات مختلفة ولو على سبيل العلم بالشيء، لعل المذيع يعود يوماً إلى وظيفته، والضيف يرجع ذات ليلة إلى مهمته!