قبل أشهر على موعد الانتخابات العامة في العراق يبدو المشهد السياسي اكثر تعقيداً مقارنة بالدورات الانتخابية السابقة بالنظر إلى تساوي فرص الفوز والخسارة لدى القوى السياسية الكبيرة، وبما أن الخيار الطائفي استمر هو المحرك لخيارات الناخب العراقي منذ 2003 فإن نشوء أضداد داخل المكون الواحد رفع من حدة ذلك التعقيد وزاد من صعوبة التنبؤ بالخريطة السياسية لما بعد الانتخابات المقبلة، لكن ما هو مؤكد أن الخروج عن التوافق السني - الشيعي - الكردي لا يبدو متاحاً في ظل اتساع حالة الاستقطاب الطائفي إقليمياً. وصعوبة الخروج من حالة التوافق تستند إلى جملة معطيات تؤشر كلها إلى أن السباق الانتخابي المقبل سيأتي بنتائج غير محسومة مع فرص قوية لتكرار خريطة الانتخابات المحلية الأخيرة في نيسان (أبريل) الماضي في الاقتراع العام المرجح نهاية نيسان من العام 2014 لكن ذلك لا يعني بالضرورة تكرار الوجوه نفسها التي انتجها توافق الدورة الحالية. رحلة المواقف المحسوبة التي بدأت منذ فترة عبر حملات انتخابية مبكرة للقادة السياسيين، تجري معها أحاديث عن حظوظ الفوز وسيناريوات ما بعد الانتخاب وما إذا كانت ستفرز تضاداً سياسياً داخل ممثلي المكون الواحد، وهذا مرتبط بنجاح واحد من مسارين: الأول: أن يستمر التقارب بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي باستثمار انقسام ائتلاف «العراقية» بزعامة أياد علاوي والذي ضم غالبية القوى السنية في الانتخابات. ولا تتردد مصادر مقربة في الحديث عن اتفاق يضمن للمالكي البقاء في منصبه لولاية ثالثة مقابل دعمه طموح النجيفي إلى منصب رئاسة الجمهورية. على أن تكون رئاسة البرلمان من حصة حزب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني وهو اتفاق ممكن كونه يضمن التوافق الشيعي السني الكردي. الثاني، مرهون بمقدرة حلف الزعيمين الشيعيين عمار الحكيم ومقتدى الصدر على ترشيح شخصية جديدة لشغل منصب رئاسة الوزراء وإقناع بقية الأطراف السنية والكردية دون الحاجة لائتلاف المالكي، ومعلوم أن تحالف قائمتي المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري أثمر عن تشكيل غالبية الحكومات المحلية في المحافظات الشيعية بعد الانتخابات التي جرت في نيسان الماضي. لكن ثمة من يرى في حالة التضاد الشيعي - الشيعي أو السني - السني وحتى الكردي - الكردي ظاهرة ثانوية تنتهي مع حلول الموسم الانتخابي. يقول أستاذ العلوم السياسية ياسين البكري ل «الحياة» إن «التحالف بين أطراف لا تجمعهم إلا الحالة الانتخابية أمر وارد في العراق الذي يعيش مرحلة انتقالية، وبتصوري أن حصول اختراق للحالة الطائفية في الانتخابات القادمة أمر صعب لأكثر من سبب». ويضيف: «كان واضحاً جداً في التجربة العراقية أن تجتمع أطراف سياسية عند الانتخابات وتفترق بعدها وهذا ما حصل فعلاً في الدورة الحالية، وهذا الافتراق ناتج إما عن رؤى جديدة وتصورات جديدة لرؤية الأحزاب حول مستقبل العراق أو الاختلاف على الغنيمة، لكن لا أتوقع أن تنتهي هذه الفجوة بتشكيل ائتلاف سني شيعي على غرار التقارب الذي حصل بسبب عدم الثقة وحالة المظلومية التي تتحدث بها الأطراف الشيعية، فهذه عوامل حاسمة تعود بهم إلى تحالف يضمن بقاء رئاسة الحكومة في أيديهم، فضلاً عن العامل الخارجي فقبول العامل الإقليمي بانفراط عقد التحالفات الطائفية أمر مستبعد». يبقى أن عودة الأضداد في تحالفات طائفية مرة أخرى يتطلب جملة تسويات على رأسها مثلاً قبول الأطراف الشيعية الموجودة في التحالف الوطني بولاية ثالثة لرئيس الحكومة نوري المالكي مقابل ضمانات يقدمها الأخير وهذا يعني تكرار سيناريو عام 2010 عندما تراجع التيار الصدري عن فيتو سياسي وضعه سابقاً لرفض بقاء زعيم حزب الدعوة على رأس السلطة التنفيذية أو تنازل الأخير لمصلحة مرشح يقدمه حلف الحكيم والصدر. كما أن تكرار خريطة الاقتراع المحلي يعني أن النتاج الانتخابي سيكون اكثر تعقيداً لتقارب النتائج، وستحتاج عملية تشكيل الحكومة وقتاً اكثر من تلك التي تتطلبها الوزارة الحالية وبالمجمل فإن دلالات التغيير في الخريطة السياسية العراقية تبدو غائبة حتى الآن إذ إن صعود أطراف جديدة أمر مستبعد ما يعني أن الشكل الذي كانت عليه طوال السنوات الماضية باق على الأرجح وما هو معرض للتغيير هو وجوه التوافق الطائفي - القومي.