رصدت الأنباء خلال الأسابيع الماضية سلوكيات غير لائقة قام بها مجموعة من الشبان تجاه بعض الفتيات في أحد المجمعات التجارية في المنطقة الشرقية، الأمر الذي أثار موجة من الاستنكار والجدل على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا ليس بالجديد، فالمعاكسات والتحرش ظاهرة خطرة، وتتزايد كل يوم، فهذا من مظاهر تشوه البناء الإنساني الذي نتج من عزل الجنسين وتجريم التعامل بينهما حتى لو كان بالمعروف، بما في ذلك الطرق الإلزامية النظامية والدينية منها خصوصاً، وهذا ما جعل لكل من الجنسين دوراً محدداً باعتبار الخروج عن نمطيته يقتضي وجود خلل أخلاقي يجعله يقع في المخالف، هذا بحسب تفسير المعطيات الثقافية وتقاليد المجتمع. كشفت بعض دراسات رويترز عن نسبة التحرش في السعودية بأنها تقع في المركز الثالث بالنسبة إلى 24 دولة في قضايا التحرش، وهي الأعلى نسبة من الولاياتالمتحدة وفرنسا والسويد وبقية الدول الأوروبية، وفي الواقع أن التحرش الجنسي لا يتحدد في تصرفات الشبان فقط، فمن الممكن أن نلاحظ في الأماكن العامة أن الفتيات أيضاً يقمن بذلك، لكن لا يتجاوزن السلوك اللفظي. وعلى أية حال، فالتحرش يعتبر ظاهرة خطرة وممارسة غير لائقة من أي من الأطراف، سواء كان هذا السلوك لفظياً أم فعلياً. ولا ننسى أن غياب القانون أدى إلى التهاون وتأزيم الكثير من هذه الظواهر، وهذا الأمر الذي جعل الفرد يفقد المسؤولية تجاه أخطائه، وبالتالي فقد التهذيب وكذلك فقدان التعاطف الأسري والتربية الصحيحة التي تهتم بتحسين مفاهيم الأبناء في كيفية التعامل مع الجنس الآخر، بعيداً عن تعقيدات المجتمع إضافة إلى أن تقويم السلوك الذاتي واجب على كل فرد، حين يدرك ما في نفسه ويصحح أخطاءها. ويذكر هنا دور القانون وإسهامه في تحقيق التقدم والرقي للمجتمع، حين يترجم على الواقع، وينعكس على الحياة المدنية بتهذيب أفراد المجتمع إذا كان في الاعتبار، فإقرار هذا القانون نظامياً سيعطي الفرد أحقية اتخاذ القرار في معالجة المواقف والانتهاكات التي يتعرض لها خصوصاً المرأة، ونادى كثير من المسؤولين والمختصين في المجال القضائي والحقوقي والأكاديمي بسنّ قوانين وتوحيد العقوبات، وهو ما ساعد في الحد من هذه الظواهر، سواء في الأماكن العامة أم في بيئات العمل. لا يمكننا الأخذ باجتهادات الفقهاء التي تلقي اللوم على سلوكيات المرأة، والعودة إلى تحديد نمطية السلوك والتعامل لكل من الجنسين، فهذا لن يحل القضية، ويمكن القول أن استحداث القانون الذي يحفظ الحق الإنساني، ويهذب التعاملات بين الناس، لا يتعارض مع الدين، إنما يأتي في صيغة «الاجتهاد» أيضاً، غير أن الإسلام حفظ للمرأة حقها وكرامتها، ولم يمنعها من ممارسة حياتها العامة. إن إسهام الدولة في معالجة هذه القضية والاستجابة لمطالب المواطنين والمختصين سيحقق ارتقاءً مرضياً للمجتمع، غير أن تحقيق القانون وإقراره واجب، كونه مطلباً حضارياً وإنسانياً. [email protected] alshehri_maha@