بعد هزيمة مقاتلي المعارضة السورية في الشمال على أيدي تنظيم "القاعدة"، يتطلع المعارضون الذين يسيطرون على أراض في جنوب البلاد إلى دور أكبر ومزيد من المساعدة باعتبارهم "القوة الأخيرة"، المدعومة من الغرب، ويشكلون "قوة صامدة" في وجه كل من الرئيس بشار الأسد والجهاديين. ويقول المعارضون في الجنوب الذين يصفهم مسؤولون غربيون بأنهم الأفضل تنظيماً بين تيار المعارضة الرئيس، إنهم الأمل الأخير لثورة خطفها الجهاديون. وفي الأيام القليلة الماضية وضعوا خطة للانتقال السياسي في سورية لا تشمل دوراً للأسد ليضطلعوا بدور سياسي تركوه في السابق لغيرهم. وتقول واشنطن إن "دعم مقاتلي المعارضة المعتدلين"، هو محور استراتيجيتها الجديدة لهزيمة الجهاديين من دون مساعدة الأسد والتي بدأ تطبيقها منذ بدأت الولاياتالمتحدة قصف مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في أيلول (سبتمبر). لكن الكثير من جماعات المعارضة المدعومة من الغرب أصبحت منذ بدء القصف الأميركي بين مطرقة الحكومة وسندان الجهاديين. وهزمت "جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في سورية، مقاتلي المعارضة المؤيدين للغرب في أحد معاقلهم الأخيرة في شمال البلاد. وتسيطر قوات الأسد على دمشق وعلى الساحل السوري على البحر المتوسط ومعظم المنطقة الواقعة بين العاصمة والساحل. ويسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على شرق البلاد فيما تسيطر "جبهة النصرة" على معظم الشمال الغربي وتتوسع على حساب المعتدلين. والمحافظات الجنوبية القريبة من الحدود الأردنية استثناء، اذ لا يزال مقاتلو المعارضة الذين يطلقون على أنفسم اسم "الجبهة الجنوبية" يسيطرون على أراض ونجحوا في مقاومة الأسد ويتجنبون في الوقت نفسه الاشتباكات المباشرة مع "جبهة النصرة". ووضعت 15 جماعة في الجبهة الجنوبية أخيراً برنامجاً سياسياً، في خطوة تفصلهم عن المعارضة التي تعيش قيادتها في المنفى وينظر على نطاق واسع في سورية أنها "فاشلة". وتأمل الجبهة الجنوبية بوصفها حركة "غير جهادية"، لا تزال مسيطرة ميدانياً في سوريا الحصول على المزيد من المساعدات من الغرب لتفادي مواجهة مصير المعارضة الحليفة للغرب التي منيت بهزيمة منكرة على أيدي الجهاديين والقوات الحكومية في أماكن أخرى. ممارسة السياسة ابتعد مقاتلو المعارضة في السابق عن السياسة، التي تُركت لجماعات مثل "الائتلاف الوطني السوري" الذي يعيش معظم أعضائه في الخارج ويعقدون اجتماعاتهم في تركيا، لكن قادة الجبهة الجنوبية يقولون الآن إنهم قرروا أن يتعاملوا بأنفسهم مع القضايا السياسية. قال أبو أسامة الجولاني (37 عاماً)، الضابط المنشق عن الجيش السوري وهو القائد العسكري لجبهة ثوار سوريا القطاع الجنوبي، في مقابلة مع "رويترز" من خلال الإنترنت: "لم نكن نتدخل بهذه الأمور سابقاً وتركناها لغيرنا ليقوم بأمر ما. الآن حان الوقت ولم نعد نريد التفريط بسورية". وتدعو خطتهم، التي لم تُنشر بعد لكن اطلعت "رويترز" عليها، إلى تحويل مقاتلي الجبهة الجنوبية إلى قوة أمن مدنية، والمؤسسات الوطنية -بما في ذلك الجيش- ستصان، وستشكَّل سلطة موقتة من الخبراء الفنيين يتبعها إجراء انتخابات. وتؤكد الخطة على حماية كل السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الثقافية أو العرقية، وهي صياغة تستهدف على ما يبدو طمأنة الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والمسيحيين الذين يخشون أن يكون بديل الأسد "حكومة إسلامية متشددة"، وفق ما يقولون. ويمكن أن تتماشى تلك الخطة مع التفكير الحالي في واشنطن، حيث ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الأميركية أمس الأربعاء، أن "الرئيس باراك أوباما يريد إجراء مراجعة لسياسة إدارته بشان سورية بعد أن توصل إلى أنه ربما لن يكون من الممكن إنزال الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية من دون الانتقال السياسي وإزاحة الأسد". وقال أبو حمزة القابوني، وهو قائد لمقاتلي المعارضة من دمشق وينتمي إلى الجبهة الجنوبية، إن "الجبهة قررت طرح خطة سياسية لأنه لم يعد هناك أي معنى للانتظار لحسم الحرب على مستوى سورية بالكامل". وتابع قائلاً: "إشكالية الشمال معقدة جداً، وإذا أردنا انتظار حلها فسيطول الوضع لسنوات". وقال بشار الزعبي من جيش اليرموك، الذي يعد إحدى أقوى جماعات المعارضة في جنوب سورية، إن "الحركة قد تتطور في وقت لاحق لتضم جماعات أخرى لديها قوة حقيقية من الناحية الميدانية". وتابع قائلاً: "الفصائل المذكورة هي من أكبر الفصائل وسوف يتوسع هذا الحلف. أي عملية انتقالية أو سياسية تحتاج إلى أناس على الأرض لحمايتها". وأضاف: "هذا البيان هو تأكيد على المبادئ، لا نتمسك بأن يكون الحل فقط عسكرياً، فالقتال وسيلة لتحقيق الأهداف". التحدي وتمثل هذه المحاولة تحدياً لائتلاف المعارضة المدعوم من الغرب، والذي يتخذ من تركيا مقراً ولا يملك سيطرة تذكر على الأرض، لكنه يزعم أن له سيطرة سياسية على "الجيش السوري الحر" الذي يوحد جماعات مقاتلي المعارضة المنتمية للتيار السائد. وقال اللواء فايز الدويري، وهو ضابط أردني متقاعد يتابع الحرب السورية من كثب، إن "مقاتلي المعارضة في جنوب سورية يريدون طرح أنفسهم كبديل تتوافر فيه مقومات البقاء للجيش السوري الحر في الشمال وللائتلاف الوطني الذي ولد ميتاً". وتابع قائلاً إن "الجيش السوري الحر دمر فعلياً، ولم يعد له وجود فعلي، باستثناء الجنوب وبعض الجيوب في محافظة حلب". والجنوب مهم من الناحية الاستراتيجية، فهو يقع على مسافة قريبة من دمشق وعلى الحدود مع الأردن وإسرائيل ويمكن الدول المعارضة للأسد أن تزيد الضغط عليه بتسليح مقاتلي المعارضة هناك. لكن الدعم الخارجي لايزال محدوداً إلى الآن، إذ يساعد مقاتلي المعارضة في الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطرون عليها، لكنه لا يسمح لهم بإحراز تقدم كبير باتجاه الشمال. ومع تحرك "جبهة النصرة" إلى الجنوب، تسببت في أيلول (سبتمبر) الماضي بأزمة دولية، عندما احتجزت عشرات من أفراد قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان. وتحارب "جبهة النصرة" إلى الآن إلى جانب مقاتلي المعارضة الجنوبية ضد قوات الأسد، وإن كان مقاتلو المعارضة يقولون إنه لا يوجد تنسيق معها. وقال الدويري إن "النصرة لم تحاول أن تفرض سيطرتها على المعارضة الجنوبية ،لأن الجنوب هو المنطقة الوحيدة التي يتمتع فيها المقاتلون من غير الجهاديين بقوة أكبر من الجهاديين". لكن الجولاني يتوقع معركة قادمة، وقال: "النصرة أعلنت أخيراً حربها على القوى الوطنية. بدأت في الشمال وهذا سينطبق في الوقت القادم على الجنوب". وسيطرة الأردن المحكمة على الحدود تعني أن "مقاتلي الجماعات الجهادية الأجانب لن يتمكنوا من اختراق جنوب سورية على نفس النطاق الذي شهده الشمال، حيث استفادت جبهة النصرة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من وصول مئات المقاتلين من طريق تركيا". وتمر المساعدات للمعارضة الجنوبية من طريق الأردن، إذ أشار مسؤولون مطلعون على العملية إلى أن "نقل المساعدات لجماعات المعارضة المؤهلة يخضع لإشراف غرفة عمليات مشتركة بين الدول العربية والدول الغربية". وبدأت الأسلحة تصل إلى مقاتلي المعارضة في الجنوب في وقت سابق هذا العام، وقال الزعبي من جيش اليرموك: "الدعم جيد، لكنه غير كاف. نتيجة الدعم نتيجة عموماً، خصوصاً صواريخ تاو، التي حدَّت من فاعلية الدبابات"، وأضاف: "في الجنوب نستطيع أن نبني نواة ستكون الأمل لسورية".