ابنة البقال هو أحد الألقاب التي أطلقتها الصحافة على السيدة مارغريت ثاتشر أو البارونة وعضو مجلس اللوردات فيما بعد. ولدت مارغريت عام 1952 لأب يملك حانوتاً للبقالة، ولأم كانت تعمل بالخياطة قبل زواجها، وعلى رغم حالة الأب المتواضعة مادياً إلا أنه كان مهتماً بالسياسة وبتوفير حاجات ابنته من الكتب، لتتفوق مارغريت في دراستها في المدارس الحكومية، وتتمكن من الالتحاق بجامعة أكسفورد العريقة حيث درست الكيمياء وأشعة اكس، وبلورت الاهتمام السياسي من خلال دورها البارز في نادي المحافظين، ثم الزواج من دينيس ثاتشر، ضابط المدفعية السابق ومدير شركات البترول لاحقاً وإنجاب التوأمين مارك وكارول. أما رئاسة الوزراء فتعتبر مارغريت أول سيدة في تاريخ بريطانيا تتولى هذا المنصب، بل هي أول رئيس وزراء يتم انتخابه ثلاث مرات متتالية بفوز ساحق أطلق على حقبتها في الثمانينات ب «عقد الثاتشرية»، ناهيك عن انتصارها العسكري الكبير في حرب جزر الفوكلاند عام 1982، وعن أشهر ألقابها: «المرأة الحديدية» لرباطة جأشها وقوتها في الدفاع عن قراراتها، ومن ذلك منعها تقديم الحليب مجاناً لطلاب المدارس لتخفيف الإنفاق العام في سياسة أصرت على تطبيقها حتى مع تسميتها بسارقة حليب الأطفال... ومن ذلك محاولة اغتيالها في مدينة برايتون بانفجار ضخم في فندق إقامتها لم يلق منها غير الانتقال بأوراقها إلى جناح آخر منه، لتقف معلنة في صبيحة اليوم التالي أن لا شيء يمنعها من متابعة مسيرتها. كلمة أخيرة: عادة ما يجد الإنسان الذكي أكثر من طريقة يتغلب فيها على ظروفه الصعبة مما قد يجده سواه، غير أن الذكاء نصف الطريق، النصف الآخر والأهم دائماً يتجه إلى استثمار الذكاء بقيمة ترفع صاحبه. فأن نصل ليس مستحيلاً، إنما المحك وما يميز الناس عن بعضهم يكمن في كيفية هذا الوصول وبأي ثمن كان! ومع هذا، لا يمكن تطبيق مثل هذا الكلام في مجتمع لا يؤمن أصلاً بحرية المشاركة في الحقوق والواجبات، وليس المقصود بالحقوق هنا المادية منها، ولكن المعنوية أيضاً، وفي مقدمها الشخصية والسياسية كشرط تأسيسي للإنسان كعضو في مجتمع مدني، وباعتبار تلك الحقوق أصل المواطنة أو حتى مبرراً للاجتماع البشري، فلم تظهر ثاتشر في مجتمعها لأنها ضغطت عليه وتحدته، ولكن لأنها نشأت في وسط اعتبر وجودها داخل المتن وليس على الهامش، فحين تتيقن المرأة أنه على رغم علمها واجتهادها وحنكتها وحكمتها لن تتجاوز السقف المحدد لها سلفاً، لهو أمر في غاية الظلم والإحباط لها، فمن أسباب تطور المجتمعات إيمان أهلها بمعنى الاستقلالية والإرادة الحرة، فيكون «الإنسان»، بصرف النظر عن جنسه، مرجع قراراته المتعلقة بنفسه وبمحيطه، أما أن يعيش وغيره يصيّره كيف يشاء، فأي وعي وأي علاقات مشوهة سينشأ معها مثل هذا الكائن البشري! فعلاً لم يعد من المقبول ولا من المناسب حضارياً الاستمرار باللعب بورقة المرأة في قصة التوازنات والمزايدات. وقالوا: «غايتنا من إقامة الدولة إسعاد الجميع، لا إسعاد طبقة» أفلاطون. [email protected]