يقال ان أكثر الكذب يحدث قبل انتخابات وخلال حرب وبعد رحلة صيد سمك، ونحن على أبواب انتخابات برلمانية لبنانية أي في موسم كذب عبّر عنه يوماً الزجّال العظيم عمر الزعني على لسان مرشح يعد الناخبين «بخلّي السما تشتّي طحين، والأرض تنبع بنزين، بس انتخبوني نايب». وقد رأينا في حرب قطاع غزة إسرائيل تقتل النساء والأطفال وتنكر حتى والجريمة تُرتكب امام عدسات التلفزيون. اما صيد السمك فعندي عنه قصة الصياد الذي قال إنه اصطاد سمكة وزنها مئة كيلوغرام، وسئل هل عنده شهود ورد: طبعاً وإلا لكان وزنها مئتي كيلوغرام. إذا لم يكن الموضوع انتخابات أو حرباً أو صيد سمك فهناك قمة العشرين، وتصريحات الأميركيين والأوروبيين يلغي بعضها بعضاً، الى درجة ان صحيفة «التايمز» نشرت موضوعاً الأسبوع الماضي شغل صفحتين وكان عنوانه: ماذا قالوا، كيف قالوه، وماذا عنوا فعلاً. والعنوان يغني عن شرح. الكل يكذب كل يوم. الرجل يقول لزوجته وهي تسأله بعد 20 سنة زواج إن كان يحبها ويقول: طبعاً أحبك، ولهجته توحي بعكس ذلك. والبائع يقول عن الجوارب (الكلسات) أو ما شابه انها من قياس واحد يناسب الجميع، ما يعني انه لا يناسب احداً. أو يقسم ان صوف القميص لا يتقلص في الغسيل، وهو ينكمش بالتأكيد. وتقول واحدة لأخرى: وزنك لم يزد ابداً، ما يعني انه زاد وإلا لما ذكرته. ونسمع «الفلوس غير مهمة، المهم المبدأ»، وشرحه ان الفلوس هي المهمة لا المبدأ. كل ما سبق يهون امام الكذب الإسرائيلي، وأقسم أنني قرأت في الصحف الإسرائيلية، في اليوم التالي لبدء بنيامين نتانياهو عمله رئيساً للوزراء، انه أعلن «مبادئ» حكومته، مع اننا نعرف جميعاً ان هذه الحكومة بلا مبادئ أو أخلاق أو إنسانية. مَنْ أكذَب، نتانياهو ام شمعون بيريز؟ الرئيس الإسرائيلي قال ان في إسرائيل الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. ولن أقسم مرة ثانية أنني أنقل حرفياً ولكن أترك للقارئ ان يقرر أيهما أكذب، أو أسفل، رئيس الدولة أو رئيس الوزراء في بلاد الأفّاكين. في كل مرة أسمع كذب الانتخابات في كل بلد وكذب حروب إسرائيل وسلامها، أتذكر الظريف «أبو لمعة» فقد سعدنا بكذبه يوماً بقدر ما يتعسنا الكذب الإسرائيلي اليوم. ربما لا يعرف القارئ ان محمد أحمد المصري الذي لعب دور أبو لمعة كان في الواقع ناظر المدرسة السعيدية في الجيزة، واشتهر بصرامته مع الطلاب. وهو توفي في شباط (فبراير) الماضي عن 79 عاماً. كانت اسكتشات أبو لمعة جزءاً من برنامج «ساعة لقلبك» الكوميدي الذي كان من أنجح برامج الإذاعة المصرية في الخمسينات والستينات. وكان ضحية أبو لمعة وكذبه «الخواجا بيجو» الذي لعب دوره الفنان فؤاد راتب. كان كذباً لا يصدق وأبو لمعة يقسم للخواجا بيجو «برحمة امه» أنه لبس مرة 11 «فانلة» و11 «شورت» و11 حذاء ونزل الى الملعب ليواجه منتخب البرازيل وفيه بيليه وغارنيشا ورفاقهما وفاز عليهم. ويرد الخواجا بيجو «يا اخواني... با النافوخ بتاع انا» وأبو لمعة يقول له انه عبر بحر المانش سباحة من دون ان يبتل، أو يرى رجلاً يغطس ويسخر منه قائلاً ان في ايامه كان الواحد يغطس وهو «عيّل صغير»، ويطلع وهو محال على المعاش. أو هناك البناية التي رأى أبو لمعة العمل جارياً فيها في الصباح، وعند عودته من العمل في المساء، وجد رجال الشرطة يطردون المستأجرين لأنهم تأخروا عن دفع الإيجارات ستة أشهر. كان كذباً ظريفاً قبل نصف قرن أو أكثر ولا يزال ظريفاً اليوم. وأستطيع أن أعطي الكوميديا المصرية فضل السبق، ففي 1969 بدأ برنامج تلفزيوني اميركي اسمه «نادي الكذابين» عاد بشكل مختلف في أواخر السبعينات وأيضاً في أواخر الثمانينات. وكانت فكرته ان يعرض مقدم البرنامج شيئاً غريباً ويشرحه المشاركون، وواحد منهم فقط يحكي الحقيقة، ثم يترك للمتفرجين ان يفرزوا الحقيقة، من بين القصص الكاذبة. كان كذباً ظريفاً مع ان فكرته تختلف عن اسكتشات أبو لمعة والخواجا بيجو. واليوم هناك كذب اسرائيل ولا أحد يضحك.