يقول المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي في كتابه "النحت في الزمن"، "أجد أن الروابط الشعرية - منطق الشعر في السينما ... ملائمة على نحو مثالي لإمكانية السينما بوصفها أكثر الأشكال الفنية صدقاً وشعرية، "يقيناً أشعر بالتوافق والإنسجام معها أكثر مما أشعره مع الكتابة التقليدية المتكلفة، التي تربط الصور من خلال التنامي الطولي المنطقي على نحو صارم للحبكة". وفي عمله الروائي الطويل الأول "باب الوداع" الذي عرض أمس الثلثاء ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يقول المخرج المصري الشاب كريم حنفي إن كتاب تاركوفسكي وأفلامه ساعداه على الخروج بهذا الفيلم إلى النور. والفيلم الذي تبلغ مدة عرضه نحو ساعة، يكسر المتعارف عليه في بناء الحبكة التقليدية، ويعتمد بدلاً من ذلك على نظرية تاركوفسكي عن الصورة السينمائية كلغة بصرية ترقى إلى حد الشعر، بحيث يوظف حنفي تلك الصورة ليسلط الضوء على العوالم الداخلية لشخصياته الثلاثة الأساسية وهي الابن والأم والجدة. وقال حنفي إن "كتاب تاركوفسكي (النحت في الزمن) وفيلمه (المرآة) ساعداني على تحويل ذكرياتي وذاكرتي ... صراعاتي وعلاقتي بأمي إلى صورة سينمائية". ويخلو الفيلم تقريباً من الحوار، باستثناء بعض الأبيات الشعرية التي تسرد في بعض اللقطات. واعتمد حنفي بمساعدة مدير التصوير زكي عارف على المشاهد الطويلة والكادرات الثابتة، في شكل جمالي شعري يغوص من خلاله داخل شخوصه وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً وبالمكان الذي يعيشون فيه، في شكل يتلاشى فيه الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال والحلم. تتجلى السينما كلغة شعرية في فيلم حنفي من خلال الملحمية التي يضفيها على صراعات الشخوص الداخلية. فالإبن - الذي يجسده الممثل أحمد مجدي، يعيش في كنف الأم والجدة ويحلم بالتحرر والإنطلاق في فضاء العالم الرحب ليكتشف نفسه. والأم التي تلعب دورها الممثلة سلوى خطاب، تعيش في خوف دائم من فقدان الإبن ومن التقدم في السن. كل هذه المخاوف والهواجس البشرية الطبيعية تكتسب ثقلاً شعرياً، من خلال الكادرات الجمالية التي تنفذ الى داخل الشخصيات لنتعرف إليها في ظل غياب الحوار. وعن تجربة صناعة فيلمه يقول حنفي إن التصوير استغرق 12 يوماً فقط على مدى أربع سنوات، وانه واجه مشاكل عدة في انتاج الفيلم بسبب الإفتقار للتمويل قبل أن تشارك وزارة الثقافة في دعم الفيلم. وقال مجدي الممثل في المؤتمر الصحافي الذي أعقب عرض الفيلم، إن السينما اليوم في حاجة الى نوعية جديدة من الأفلام مثل باب الوداع. وقال: "هذه الفكرة جديدة وأنا أدعمها ولا بد أن تدعم الدولة هذه النوعية من الأفلام التي يقدمها شباب السينمائيين للنهوض بالسينما وعودتها لريادتها مرة أخرى بعد أن غلبت على أفلامها الصيغة التجارية". وينافس "باب الوداع" ضمن 16 فيلماً على جوائز الدورة السادسة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التي تختتم يوم الثلثاء القادم.