لا يخفى على أحد أن العلاقات السعودية الأميركية تمر الآن بمرحلة من الشد والجذب والتباين حول العديد من القضايا التي تهمهما، فمنذ تغير الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية، والوصول إلى تفاهم مع روسيا حول سبل حل هذه الأزمة واختزالها بالمسألة الكيماوية، والطرفان بدأ التباين بينهما حول القضية السورية، ولذلك قامت المملكة العربية السعودية بالاعتذار عن مقعد مجلس الأمن للدول غير الدائمة العضوية لمدة عامين، معبرة عن عدم رضاها على عمل المجلس والقرارات التي يصدرها تجاه القضايا العربية والإسلامية، ابتداءً من القضية الفلسطينية وانتهاءً بالأزمة السورية، إذ كان لهذا الانسحاب ما يبرره بحسب البيان السعودي الصادر من وزارة الخارجية السعودية. بالنظر إلى تاريخ العلاقات السعودية الأميركية نرى أنها بدأت منذ أن رسم معالمها الملك المؤسس رحمه الله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود خلال لقائه الشهير مع الرئيس الأميركي روزفلت على متن الطراد «كوينسي» 1945، وأرسى قواعد هذه العلاقات بين البلدين، وكانت أول مؤشرات قوة العلاقات بين البلدين إرساء عقد التنقيب عن البترول على تجمع الشركات الأميركية (Arabian American Oil Co) في المملكة العربية السعودية، وتنامت العلاقات بين البلدين من خلال الاتصالات المباشرة والزيارات الرسمية بين مسؤولي الدولتين، إذ قام الملك سعود بأول زيارة ملكية لواشنطن 1957، وقابل الرئيس إيزنهاور، واستمرت اللقاءات بين القيادات السياسية في المملكة العربية السعودية والأميركية، حتى قام الرئيس نيكسون 1974 بأول زيارة لرئيس أميركي للمملكة العربية السعودية، قابل خلالها المغفور له الملك فيصل، بعدها توالت زيارات الرؤساء الأميركيين من بوش الأب، فكلينتون، فبوش الابن فالرئيس الحالي أوباما، وهو ما يدل في شكل لا يقبل الشك مدى أهمية العلاقات بين البلدين والحرص من القياديتين على تطويرها. إن العلاقات بين الرياض وواشنطن هي علاقات حتمية، فالدولتان رقمان فاعلان في المحيط الدولي والإقليمي، ولا يمكن لأي منهما أن يتجاهل الآخر، فمن الناحية الاقتصادية المملكة العربية السعودية عضو في مجموعة ال20، وأكبر منتج ومصدر للبترول، ومن أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، والولاياتالمتحدة الأميركية ما زالت هي أكبر اقتصاد في العالم، وتمتلك مصادر التقنية والعلم، ومؤثرة جداً على الساحة الدولية، ولها مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وتمتلك حق النقض (الفيتو) من خلال هذا المقعد، ولها مصالح كبيرة جداً في العالم، ولذلك نرى أن الدولتين من الناحية الاقتصادية والسياسية لهما تأثيرهما في العالم. أما من الناحية الثقافية والدينية، فزيادة على أن المملكة ومنطقة شبه الجزيرة العربية هي موطن الثقافة العربية، ومنبع القبائل العربية، تحتضن المملكة كذلك المقدسات الإسلامية، مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ولها ثقلها الإسلامي، فهي الحاضن والراعي لمنظمة العمل الإسلامي في جدة، وكذلك البنك الإسلامي للتنمية، إضافة إلى خدمتها للمقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، والمشاريع التي تخصص لها من موازنة الدولة، ومن دون طلب أي إسهام أو مساعدة من أحد، كل هذه العطيات وغيرها تجعل المملكة محل احترام شعبي ورسمي في العالمين العربي والإسلامي. بالنسبة إلى الناحية الجيوسياسية، إضافة للاقتصاد والثقافة والمقدسات، فموقع المملكة يعطيها ميزة كبيرة، إذ تقع بين القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي حلقة الربط بين هذه القارات، ومضيق هرمز يعبر منه أكثر من 40 في المئة من حاجات العالم من الطاقة، وهي ليست ببعيدة عنه، وكذلك قربها من باب المندب، وإطلالها على الخليج العربي والبحر الأحمر، ولذلك نجد أن خطوط الملاحة البحرية والجوية لا بد أن تمر عبر بحارها أو أجوائها، وهو ما يجعلها محط اهتمام عالمي للمساعدة على حرية الملاحة، وهذا ما لمسناه عندما بدأت القرصنة البحرية من المسلحين الصوماليين، كيف أن موقع المملكة ساعد في محاربة القرصنة البحرية بأشكالها كافة. وفي ما يتعلق بالولاياتالمتحدة الأميركية فهي دولة مؤثرة جداً، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، فهي متحكمة بأوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945، وقادت العالم منفردة منذ 1991، بعد انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي حتى 2008 تقريباً، إذ بدأت تشاطرها القوة روسيا والصين في الساحة الدولية، بعد تورطها في مغامرتين عسكريتين، أفغانستان والعراق، أفقدتها زمام القوة والمبادرة، وهو ما أجبرها على البحث عن مخرج لها من هذين المستنقعين بأسرع وقت، وهو ما أوصل أوباما إلى الرئاسة من خلال وعده بعدم التورط في أي حرب مقبلة خارج الحدود الأميركية أو ما يهدد أمنها القومي في شكل مباشر. الرهان على الإدارات الأميركية المتعاقبة على السلطة استراتيجية غير جيدة، بل يجب خلق مصالح مشتركة يستفيد منها الطرفان، وتصل إلى العامة، وبدء العمل لخلق جماعات ضغط داخل الولاياتالمتحدة الأميركية أو غيرها من الدول الفاعلة من خلال الاستثمار الصناعي، وهو شيء مشرع، وهو ما قامت به اليابان وتايوان وغيرهما من الدول في الولاياتالمتحدة، وفي الوقت نفسه العمل على خلق توازنات وتحالفات ومصالح مشتركة مع دول فاعلة أخرى كالصين وروسيا والهند والبرازيل، إضافة إلى أوروبا على رغم أن الرهان على الأوروبيين هو رهان ليس بالجيد، لعدم قدرتهم على مخالفتهم السياسة الأميركية تجاه قضايا عدة، والشواهد كثيرة بالنسبة إلى تبعية الأوروبيين في ما عدا ألمانيا التي تحاول إلى حد ما أن تبتعد عن المحيط الأنجلوسكسوني، بعد أن تركت فرنسا الديغولية هذا الخط منذ وصول ساركوزي إلى الرئاسة الفرنسية. يفترض أن ما يحكم العلاقات بين المملكة العربية السعودية وأميركا هي المصالح، وليست الصداقات، لذلك كانت الاستراتيجية الأميركية الجديدة معلنةً قبل بدء مرحلة أوباما الثانية، وهي التوجه شرقاً والانسحاب من الشرق الأوسط مع ضمان أمن إسرائيل وحرية تدفق الطاقة، فقراءة المستقبل هي من يساعد في تعزيز خيارات واستراتيجيات الدول. * أكاديمي سعودي. [email protected]