أتذكرون نكتة الفتاة المتزوجة حديثاً، التي طلب منها زوجها الاستعداد لقضاء ليلة رومانسية، فلم تعرف معنى (رومانسية) فسألت والدتها التي لم يُعجزها الرد، وعلى رغم عدم معرفتها المعنى، أجابت: «منيب متأكدة يا بنيتي، ولكن احتياطاً.. طلعي دجاجة»! «من قال لا أعلم فقد أفتى»، لكن من المؤسف أن «لا أعلم» تكاد تكون ملغاة من قاموس كثير من الناس، وكأنها عار، فعندما يُسأل أحدهم عن مسألة ما فإنه «يهمهم ويؤمئم» ثم يأتيك بالإجابة القاصمة أو الإجابة النكتة. إجابة الأم على سؤال ابنتها خلّف أمامنا ثلاث ضحايا وهم: الزوج والزوجة والدجاجة! هذه النكتة لا تذكرني بقاصمة المبايض فقط، إنما بالإجابات المغلوطة كلها عن الأسئلة المشبوهة. فهناك جيل خلّفه جيلٌ أدمن طرح الأسئلة الشرعية ليس لتحوّطه الشخصي، بقدر ما هو تلصص على الحكم الشرعي لأفعال غيره من الناس. وفي المقابل هناك من يدلي بدلوه في ما يعرف ويهرف على حدٍّ سواء، وغالباً ما تخلف مثل تلك الإجابات ضحايا وراءها.. ضحايا عدم التفكير.. ضحايا الفهم الخاطئ وضحايا الآخرين.. الدجاجة نموذجاً! في الستينات الهجرية، وفي منطقة نجد حُرّم على النساء ارتداء ملابس يكون «السحّاب» فيها جهة الظهر. هذه حقيقة مثبتة بتواتر الناقلين والناقلات. ولم تأتِ الفتوى الشفهية بالتحريم إلا عندما جاءت الأسئلة من نساء تعودن أن يكون «السحّاب» من الأمام.. جهة الصدر. كان سؤالهن تلصصياً على من يرتدين ذلك النوع من الفساتين، وليس تحوطيّاً ليتجنبنه. لذا جاءت الإجابة كما يرجين. بعد الفتوى جاء الترهيب، فصاحب تحريم «السحّاب» من الخلف إرهاب قصصي حول العقاب الذي سيحل بمرتكبته، فانهالت القصص بدءاً من المرأة التي ماتت وهي ترتدي ثوباً «سحّابه» من الخلف، فلفظها القبر ورأى شهود العيان آثار العذاب واحتراق ظهرها، وصولاً إلى العذاب الأخروي الموعودة به، إذ تُبعث يوم القيامة ورأسها مقلوباً، أي يُدار بزاوية 180 درجة..، فمثلما قلبت «السحّاب» يقلب وجهها معه! واجهنا كما واجهت أمهاتنا وجداتنا، فتنة القصص المرعبة التي يؤلفها ويتناقلها كثير من الناس وكأنهم يتسلون بمشاهدة فيلم مرعب نحن ضحاياه، في حال عدم تقبّلنا أحكامهم. إن هذه الفتنة القصصية المرهبة، عادةً ما تبدأ بسؤال مشبوه ينطوي على التلصص والرفض للجديد، وعلينا أن نتعايش مع الإجابة، أياً كانت، ردحاً من الزمن إلى أن يقيّض الله لنا رجالاً يُعْرفَون بالحق، عوضاً عن ذلك (الحق) الذي عُرِف بأولئك الرجال! نعود إلى نكتة الدجاجة الرومانسية والأم التي لم تعرف المعنى الحق، لكنها ربما كانت تعيش الرومانسية مع زوجها في شكل رائع. إن الإشكال لم يكن في النوايا، بل كان في عدم معرفتها للغة الجديدة، فاجتهدت واحتاطت أيضاً، وانبثق اجتهادها عن تقديم الدجاجة التي في رف «الفريزر» قرباناً للرومانسية التي لا تعرفها! بلا شك هناك كثيرون ضحكوا من النكتة، وهناك من (استبيخها)، وهناك من استهجن الزوجة التي تسأل والدتها، وقليلون جداً.. جداً تعاطفوا مع تلك الدجاجة التي ضاعت بين السؤال المشبوه والإجابة المغلوطة. [email protected] abeerfoz@