بحثت عن إحصاء دقيق لعدد مدن المملكة، وفتشت عنه هنا وهناك فوجدت أرقاماً متباينة قريبة من بعضها، لكني لم أحظ برقم دقيق وثابت، فثمة ازدواجية بين مسمى المدينة والمحافظة، وموقع الإحصاءات العامة والمعلومات يقدم هذه الازدواجية ببساطة وعفوية وعدم اهتمام، فيسرد محافظاتنا ومراكزنا والخريطة بكاملها على اعتبارها مدناً سعودية متلاصقة، معتمداً على عدد السكان كفاصل وحيد في هذه الجزئية المهمة، ولا أزال على أمل بأننا نملك أرقاماً صريحة ودقيقة غير قابلة للنقاش تتحدث عن عدد مدننا، في حين أني عثرت على معلومة تقول إن عدد المحافظات في المملكة يبلغ 104، منها 43 محافظة فئة أ، و61 محافظة فئة ب، بينما تظل المعلومة الثابتة والواضحة أمام الأعين أن عدد المناطق الإدارية في الجغرافيا الوطنية 13 منطقة إدارية. هذا البحث يؤكد أن أسئلة أساسية تصب في خانة الوطن لا نملك الإجابة المكتملة عليها، ولو عُرِضَت بطريق المصادفة لا الاختبار على الجيل الذي نقاتل لغرس المواطنة فيه، لدخل في ورطة التوقعات والتخمينات، والكارثة حين تنطلق الأسئلة من فم مقيم أو أجنبي، وعَجِز المواطن عن أن يجيب عنها كأسئلة تلتصق به ووطنه، والفضيحة إن كان السائل يعرفها جيداً. هناك معلومات مهمة ومفصلية وجديرة أن يتشبع بها عقل أي مواطن سعودي وتُقدم للجيل في شكل مباشر، فهو يسمع بها - قطعاً - لكنه غير متأكد منها ومرتبك في شأنها، ولم يجد من يؤكدها له، وهناك معلومات أخرى لا نتحدث عنها وتستحق أن تقدم للجيل بثقة وفخر، وتسطر في المناهج التي يطيب لها أن تتحدث عن الجار والجار ذي الجنب، وتحضر أرقاماً لا تعنينا أو لا تؤثر فينا ولا تقدمنا للآخر من البوابة المبهرة والمدهشة. وبالاعتماد على عدد السكان كما اعتمدت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، سأقدم هذه المعلومات المغيبة والمشرفة والمدهشة في آن واحد: «في السعودية (منى) هي المدينة الموقتة لبضعة أيام، ومن كبريات مدن العالم بالنظر إلى التنوع والعدد وحجم البياض مقسوماً على المساحة، وفي السعودية توجد (عرفات) وهي مدينة اليوم الواحد عملاً عدداً وبياضاً وروحانية ودموعاً وإدهاشاً مع ضيق مساحة أيضاً! وفي السعودية مدينة مبيت الليلة الواحدة بالتفاصيل ذاتها الثابتة (مزدلفة)». لماذا نخجل من سكب جل هذه المعلومات في الأذهان ونتأخر في تقديمها كما يليق بها وبنا، نحن لا نضلل، والأرقام ينقلها الواقع وتراها العين المجردة، هذه المعلومات أولى من معلومات يضحك منها طالب المرحلة الابتدائية ويرفضها جملة وتفصيلاً، الحج علامة فارقة في كل شيء، ولو لم يكن من فخر الانتماء لهذا المكان سوى احتضان المشاعر المقدسة واستيعاب ورعاية الزوار والمعتمرين والحجاج لكان ذلك كافياً، ضعوا هذه المعلومات في مناهجنا فهي أصدق وأنبل وأسمى وأشرف وأغلى من غيرها، والأهم أنها أكثر عمقاً واعتزازاً بالتراب والرجال. [email protected]