لا شك في أهمية قمة مجموعة العشرين الاقتصادية. فهي جمعت دولاً حصتها مجتمعة من الناتج العالمي 90 في المئة. وعلى رغم اختلاف مصالحها، سعت الدول العشرون الى التعاون في مجال السياسات الاقتصادية، وفي خطط إنقاذ الاقتصاد وإصلاح الرأسمالية. ورسمت قمة العشرين وجه عالم متعدد الاقطاب، وخطت بنية تراتبية دولية جديدة. وانتهجت القمة سياسة تتفادى تداعي الأسواق، وتختط سبل اعادة السوق الى السكة المستقيمة. وبرزت أربع مسائل دارت اثنتان منها على تحفيز الاسواق وسن قوانين تضبط الرأسمالية. وهاتان المسألتان هما مدار تجاذب بين أوروبا والعالم الانغلوساكسوني. وتدور المسألتان الاخيرتان على وقوع التجارة العالمية بين سندان نضوب القروض من جهة، ومطرقة السياسات الحمائية وتدهور الاوضاع المعيشية في الدول الأكثر فقراً. ويبدو أن قمة العشرين أفلحت في توفير حلول للمشكلات. وعلى خلاف اجتماع الدول العشرين الاول بواشنطن حيث غلب اعلان المبادئ والنيات السياسية، بادرت قمة لندن الى قرارات، وسنّت قوانين. وقدرت قيمة خطط التحفيز مجتمعة ب 5 آلاف بليون دولار، أي 10 في المئة من الناتج العالمي. وهذه الخطط هي خليط من التزامات متنوعة. ووضعت 750 بليون دولار في متناول صندوق النقد الدولي لإرساء الاستقرار في الدول النامية. وربطت قوانين الرأسمالية الجديدة بحماية البيئة، وتناول الكلام النمو الاخضر. ولا تعفى أي جهة، سواء كانت دولة أم سوقاً أم مؤسسة أم مشغلاً مالياً أم منتجاً، من المحاسبة، ومن التزام الأحكام المالية. وتترافق هذه القوانين مع إرساء نظام رقابة على المصارف والمنتجات المالية يتولاه «مجلس الاستقرار المالي». ودانت القمة السياسات الحمائية. ووفرت الاموال لمساعدة الدول الفقيرة من طريق بيع قسم من احتياط صندوق النقد الدولي من الذهب. ونجحت قمة العشرين في تجاوز مصالح الدول الضيقة، ووضعت اطاراً عالمياً يلجم الانكماش، ويصوغ قوانين الرأسمالية القادمة. وطوت القمة سياسات المحافظين الجدد الموروثة من عهد جورج بوش، وسياسات التأميم التي انتشرت منذ اندلاع الازمة. وعززت دور صندوق النقد الدولي، وبذلت الأموال لتمويل عملياته، ووسعت صلاحياته ليتقاسم الرقابة مع «مجلس الإشراف المالي». والحق أن نواة عولمة سياسية أبصرت النور في قمة العشرين. وتوازن هذه العولمة، ونواتها تشريعات مالية ترسي استقرار الاسواق، كفة عولمة السوق. وتعبّد الطريق أمام تعاون صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وتربط الإشراف المالي بقواعد التجارة الدولية. وقمة العشرين هي منعطف في الازمة الاقتصادية. فهي اختطت استراتيجية لمكافحة الانكماش. ولا شك في أن وجه نموذج العولمة الاقتصادي سيتغير، وذلك على وقع عدول الاميركيين عن الإسراف في الاقتراض والاستهلاك، وجراء تراكم الديون على الأسر الاميركية. وحري بالدول النامية، وخصوصاً الآسيوية منها، ارساء اسس نمو اقتصادي مستقل عن الصادرات الى الدول المتطورة. وآذنت قمة العشرين بأفول الأحادية الاميركية، وبطي صفحة «تغريب» العالم، ونشوء عالم متعدد الاقطاب. وأسهم تهور السياسات الاميركية في ذواء دالتها الريادية على الرأسمالية. ويترتب على هذا الذواء خسارة الدولار الاميركي احتكار دور عملة الاحتياط العالمي وناظم الاقتصاد العالمي. وتتنازع أوروبا انقسامات، منها الفصام بين سياسة الخزينة وضوابطها وبين السياسة المالية، وهي تحول دون الاتفاق على نظرة متماسكة الى العالم. ويشوب عولمة السياسة الاوروبية ضعف الاندماج الاقتصادي والسياسي الاتحادي وتقهقره. * معلق، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 3/4/2009، إعداد منال نحاس