هل يمكن أن يموت طفل من الجوع في بريطانيا في القرن الحادي والعشرين؟ سؤال يبدو غريباً في بلد ثري تتكفل فيه الدولة بمعيشة مواطنيه، وتحديداً الفقراء. لكن الأطفال يمكن بالفعل أن يموتوا من الجوع في بريطانيا. حمزة خان واحد منهم. فهذا الطفل الذي لم يكن قد تجاوز عامه الرابع عندما توفي، كان يقتات من فضلات ما في «حفاضه» في الأيام الأخيرة التي سبقت رحيله عن هذه الدنيا في كانون الأول (ديسمبر) 2009. مأساة الطفل حمزة التي شغلت الرأي العام البريطاني طوال أيام خلال محاكمة والدته بتهمة الإهمال، سلّطت الضوء ليس فقط على التفكك الأسري وأثره على العائلات، بل أظهرت في شكل جلي الفشل الذريع لأجهزة الرعاية الاجتماعية في أداء عملها وعلى رأسه حماية الأطفال. حمزة لم يكن الطفل الوحيد لأماندا هاتون. لها ثمانية أبناء وبنات من زوجها أفتاب، وهو سائق سيارة تاكسي في برادفورد وسط إنكلترا. لكن زواج أفتاب وأماندا لم يكن مثالياً، على رغم أنه أثمر هذا العدد (الكبير) من الأطفال. فقد كان الزوج متسلطاً وغالباً ما ينهال على زوجته بالضرب. ومع إنجاب حمزة عام 2005، كان الزواج بلغ نهاياته. اتصلت هي بالشرطة وأبلغتها أن زوجها يضربها باستمرار، فحصلت على أمر من المحكمة بمنعه من الاقتراب منها. لكن الأمر بدا كأنه ساهم في زيادة مشاكل أماندا بدل أن يحلها. فهي أصبحت الآن وحيدة، وصارت تلجأ أكثر فأكثر إلى شرب الكحول... حتى صارت سكيرة. أهملت عائلتها تماماً كونها لم تعد تهتم سوى بطريقة حصولها على زجاجة جديدة من المشروبات الكحولية. في أواخر 2009، مات الطفل حمزة وهو يتضوّر جوعاً. جمعت أماندا بقية أطفالها وأبلغتهم أن يقولوا إن حمزة انتقل للعيش مع أقربائه في مدينة أخرى في إنكلترا. لكن حمزة كان بالطبع جثة هامدة في سريره الصغير في غرفة المنزل التي يتشارك فيها مع إخوته. بقي الأمر على هذا المنوال نحو سنتين. لم تكتشف السلطات أن حمزة ميت سوى في أيلول (سبتمبر) 2011، وعن طريق المصادفة. احتج جيران أماندا من أن حفاضات وسخة تُرمى على حديقتهم من عندها. وعندما حاولت شرطية مبتدئة (في اليوم الثاني من بدئها العمل) التحقيق في مسألة الحفاضات وجدت بيت أماندا كله عبارة عن سلة مهملات ضخمة. اضطر أفراد الشرطة إلى «السباحة» في القمامة في غرف منزل أماندا حتى عثروا على جثة حمزة «محنطة» في سريره. وخلال محاكمة السيدة هاتون في برادفورد في الأيام الماضية، سمع المحلفون - الذين دانوا المتهمة بالإهمال - شكاوى من تقصير أجهزة الرعاية الاجتماعية، أحياناً بسبب موقف والدة حمزة نفسها. فهي لم تسجل ابنها عند طبيب سوى عندما بلغ سنة ونصف السنة من العمر، وحتى عندما سجلته لم تأخذه ولا لمرة واحدة لفحص طبي. فما كان من الطبيب سوى أن رمى ملف الطفل من بين سجلات زبائنه. كما كان على البلدية أن تعرف أن حمزة يعاني مشاكل ما، لأنه لم يذهب إلى حضانة أطفال أبداً. وعندما حاول موظفو البلدية التحقق من سبب عدم تسجيل حمزة في مدرسة عندما بلغ سن الخامسة (السن الإلزامية لالتحاق الأطفال بالمدرسة في بريطانيا) أوصدت أماندا الباب في وجههم، فرحلوا من دون أن يتابعوا القضية، إذ كان حمزة ميتاً آنذاك، لكن السلطات احتاجت إلى سنة أخرى لاكتشاف جثته في غرفة منزله. لكن قصة حمزة ليست الوحيدة التي تكشف سوء معاملة الأطفال وتقصير أجهزة الرعاية الاجتماعية في حمايتهم. فالطفل كيانو ويليامز البالغ من العمر سنتين فقط، مات في كانون الثاني (يناير) 2011 في مدينة برمنغهام (وسط إنكلترا) جراء تلقيه ضربات مؤلمة جداً تسببت إحداها في شرخ في الجمجمة. كانت والدته ربيكا هي التي تضربه، وهي فعلت ذلك طوال أشهر قبل وفاته. وعلى رغم أن سلسلة من الأطباء والممرضين ومسؤولي الرعاية الاجتماعية كلهم شاهدوا جروح كيانو، فإن أحداً منهم لم يحاول التأكد من صحة كلام أمه في شأن أن «الكدمات» البادية عليه هي نتيجة وقوعه على الأرض. ولعل قصة حمزة وكيانو لا تختلف كثيراً في مأسويتها عن قصة الطفل دانيال بيلكا البالغ 4 سنوات. في آذار (مارس) 2012 مات بيلكا جراء ضربة على رأسه بعد شهور من المعاناة من التجويع على يد أمه وصديقها (حُكم عليهما بالسجن المؤبد). ووُجهت الملامة إلى مسؤولي أجهزة الرعاية الاجتماعية لأنهم استخلصوا أن بيلكا «آمن» في المنزل مع أمه على رغم أنهم لم يقابلوه. ومن القصص الشبيهة، قصة الطفلة فيكتوريا ادجو كلايمبي التي ماتت في لندن جراء البرد القارس بعدما تعرضت للتعذيب على يد شخصين كانا مكلفين رعياتها عام 2000. أما الطفل بيتر كونولي المعروف ب «الطفل بي»، فمات في شمال لندن قبل سنوات قليلة جراء تلقيه أكثر من 50 جرحاً على مدى ثمانية شهور قابل خلالها مراراً أطباء فشلوا في معرفة أنها نتيجة تعذيبه. وحصل الأمر ذاته مع الطفل ديراي لويس (3 سنوات) الذي قُتل عام 2004 على يد صديق أمه. ربما تحصل مثل هذه الجرائم في كل دول العالم. لكن حصولها المتكرر في بريطانيا يدفع كثيرين إلى التساؤل عما إذا كان الأطفال يمكن أن يموتوا جراء الجوع - أو التعذيب - في بريطانيا في القرن الحادي والعشرين، بل في كيفية وضع حد لهذه الظاهرة المأسوية.