في فصل الخريف تجد بعض الفيروسات والجراثيم فرصة سانحة لاختراق دفاعات الجسم وزرع بؤر التهابية موزعة هنا وهناك في أنحاء الجسم. ويعتبر الحلق من المناطق المفضلة التي يحلو للميكروبات زيارتها، فتطيب لها الإقامة فيها مسببة حدوث ما يعرف بالتهاب الحلق. والتهاب الحلق مزعج أحياناً إلى درجة أنه قد يحرم صاحبه من لذة الطعام والشراب ومن لذة النوم أيضاً. ويشيع حدوث التهاب الحلق في فصل الخريف، ويمكن القول أن لا أحد يسلم من شر هذا الالتهاب، إلا أن الأطفال هم الضحية الأولى لهذا المرض، بحكم لعبهم مع أقرانهم وتعرضهم للكثير من الملوثات، وربما نتيجة أكلهم أغذية غير نظيفة، ولتواجدهم في أماكن الازدحام، كالمدارس والحدائق، وتعرضهم للتقبيل من الجميع. ويكون التهاب الحلق فيروسياً في أكثر من 70 في المئة من الإصابات عند الأطفال في مقابل 90 في المئة عند الكبار، أما النسبة المتبقية من الالتهابات، لدى الصغار أو الكبار، فتكون من نصيب الجراثيم. وتنتشر عدوى التهاب الحلق في فصل البرد، خصوصاً في أماكن التجمعات، وفي دور الحضانة، وفي المدارس، وتجد هذه الميكروبات طريقها من شخص إلى آخر من طريق العطاس والسعال واللمس والأكل والشرب. ما هي الفيروسات والجراثيم التي تسبب التهاب الحلق؟ إن أشهر الفيروسات التي تهاجم الحلق هي: - الفيروسات الغدية. - فيروسات الأنفلونزا. - الفيروس الأنفي. - فيروس الهربس. - الفيروسات التاجية. - فيروس ابشتاين بار. - فيروس جدري الماء. - فيروس الحصبة. أما الجراثيم التي تصيب الحلق فهي كثيرة إلا أن أشهرها: - المكورات العقدية. - جراثيم الدفتيريا. - جرثومة الشاهوق. ويتظاهر التهاب الحلق الفيروسي بعوارض تدريجية تشبه عوارض الأنفلونزا، مثل الألم في الحلق الذي قد ينتشر إلى الأذن، وسيلان الأنف، والسعال، والإسهال أحياناً والتهاب ملتحمة العين، إضافة إلى الصعوبة في البلع، والبحة في الصوت. وهناك بعض الفيروسات التي تحدث تضخماً في اللوزتين وفي الغدد اللمفاوية، وقد تشاهد أحياناً الاندفاعات الجلدية. أما في خصوص التهاب الحلق البكتيري، فإن عوارضه تظهر سريعاً، وتبدأ باحتقان الحلق، والصعوبة في البلع، وارتفاع في درجة الحرارة، والصداع، ورائحة كريهة في الفم، وفقدان الشهية على الطعام، وتترافق هذه العوارض أحياناً مع التقيؤ، واحمرار البلعوم، وتضخم اللوزتين، اللتين يغطيهما الصديد على شكل بقع بيض، وتكون اللهاة ملتهبة ومنتفخة، كما تتضخم الغدد اللمفاوية العنقية الأمامية التي تصبح مؤلمة عند اللمس. وفي شكل عام، هناك مجموعة من العوامل التي تشجع على حدوث التهاب الحلق هي: 1- العمر، فالأطفال والمراهقون هم أكثر ميلاً إلى الإصابة بالتهاب الحلق مقارنة بغيرهم من الفئات العمرية. 2- التدخين والتدخين السلبي، وهما يخلقان الأرضية التي تشجع على حصول التهاب الحلق، كونهما يؤديان الى ثغرات ضعيفة تسهل عملية اختراق المكيروبات. 3- التحسس، إن المصابين بأمراض تحسسية فصلية أو دائمة هم أكثر عرضة لخطر التهاب الحلق أسوة بغيرهم من الأصحاء. 4- التعرض للمهيجات الكيماوية، وتثير هذه تخريشاً وتهيجاً في الحلق. 5- التهاب الجيوب الحاد أو المزمن. 6- العيش أو العمل في الأماكن المزدحمة. 7- انخفاض المناعة. كيف يتم تشخيص التهاب الحلق؟ هناك صعوبة في التفرقة بين التهاب الحلق الفيروسي والالتهاب الحلق البكتيري. ومن المهم جداً التمييز بين هذين النوعين من الالتهاب، وتحديد ما إذا كانت هناك إصابة بجراثيم المكورات العقدية، لأن هذه الأخيرة تطرح سموماً تتفاعل مع أنسجة الجسم الحيوية مسببة سلسلة من المضاعفات من أهمها: - الحمى الروماتيزمية، وهي قد تحصل بعد أسبوع واحد أو بعد أسابيع من الإصابة بجراثيم المكورات العقدية، حتى ولو رحلت العوارض ولاحت بوادر التحسن الظاهري على المريض، ويشاهد هذا الاختلاط عادة عند الأطفال في المرحلة العمرية من 9 إلى 15 سنة . والحمى الروماتيزمية مرض يفصح عن هويته بشكاوى مختلفة، مثل الألم في المفاصل، الذي ينتقل من مفصل إلى آخر ويستجيب بسرعة إلى العلاج بالأسبيرين، ويكون المفصل متورماً ومؤلماً جداً عند الحركة، وكذلك يعاني المصاب من ارتفاع في درجة الحرارة مصحوباً بصداع وطفح جلدي وألم في الصدر والبطن. وإذا لم يتم علاج الحمى الروماتيزمية بشكل جيد، فإنه يمكن أن ينتهي بتداعيات سلبية على صمامات القلب التي تصاب بالتليف، فتزداد سماكتها ولا تستطيع أداء وظيفتها بشكل جيد. وتحدث إصابة الصمامات في الدول العربية بعد سنوات عدة من نوبة الحمى الروماتيزمية. - التهاب كبيبات الكلى الحاد، وفيه يشكو المريض من شح في البول، والتبدل في لونه، والتورم في الوجه، خصوصاً حول العينين، وارتفاع وخيم في أرقام ضغط الدم قد يترك أثره على الدماغ. - الحمى القرمزية. ويتم التعرف على هوية المكورات العقدية بأخذ مسحة من الحلق واللوزتين وعمل مزرعة لها للتأكد من وجود البكتيريا المذكورة . وفي حال جاءت نتيجة المزرعة إيجابية، فإن العلاج النوعي يجب أن يوضع حيز التنفيذ بإشراف الطبيب من أجل منع حدوث الحمى الروماتيزمية والمضاعفات الأخرى. إن أفضل سبيل لتجنب التهابات الحلق الفيروسية والجرثومية هو اتباع الاحتياطات الصحية الأساسية، والنظافة، وعدم استعمال أدوات الغير، وتحاشي التماسّ مع المرضى، وغسل اليدن، وتعزيز مناعة الجسم التي تعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة العدوى بالميكروبات. ويتم تعزيز مناعة الجسم من خلال تطبيق الخطوات الآتية: 1- تناول أغذية صحية، خصوصاً الأطعمة الكاملة والطازجة التي تؤمن للخلايا كل ما تحتاجه في دفاعها ضد أي عدوان تحاول شنه الفيروسات والجراثيم. 2- النوم الكافي الذي يمكن جهاز المناعة من استعادة كامل طاقته ليكون على أهبة الاستعداد في مواجهة كل من يحاول اختراق دفاعات الجسم. 3- الرياضة البدنية، وهي تحث خلايا الجسم على العمل بكفاءة عالية بما فيها الخلايا المناعية. 4- الامتناع عن التدخين، فمخلفات التبغ تضرب أكثر ما تضرب خلايا المناعة المتناثرة على طول الأغشية المخاطية من الأنف وحتى أعماق الرئة، فحري بالمدخنين أن يقلعوا عنه لتفويت الفرصة على مركبات التبغ كي لا تحقق مآربها. 5- الابتعاد قدر المستطاع عن مصادر التوتر والضغوط النفسية، فهي تستطيع أن تلحق ضربات مباشرة وغير مباشرة بمراكز جهاز المناعة. المكوّرات العقدية المكورات العقدية هي بكتيريا كروية الشكل أو بيضاوية ثابتة لا تتحرك، توجد على شكل سلاسل تشبه العقد، من هنا جاءت التسمية العربية. وتصنف هذه البكتيريا طبقاً لخواصها الفيزيولوجية، إلى عدة زمر هي: أ، ب، سي، دي، ي، ف، جي. والمكورات من نوع أ هي التي تسبب التهاب الحلق واللوزتين، وهي موجودة في شكل طبيعي في زوايا الأنف والحلق ، حتى لدى الأشحاص الأصحاء. وتنتقل هذه الجراثيم عادةً من شخص إلى آخر بالاحتكاك المباشر، أو عبر الاستعمال المشترك للشوك والملاعق والسجائر، أو قد تنتقل إلى الأغذية عن طريق العطاس والسعال بالقرب من الطعام المكشوف. وتعتبر اللوزتان المكان المفضل للمكورات العقدية، وهما غدتان لمفاويتان تعملان على إنتاج كريات دم بيض تساعد في مقاومة العدوى، وتتميز هذه الكريات بأن لها ذاكرة تجعلها تعي ما حولها من أشياء ، بمعنى أنه حينما يدخل ميكروب معين إلى الجسم، فإن ذاكرة تلك الكريات تسجل هذا النوع من الميكروبات بحيث لو حصلت غزوة جديدة من قبل هذا الميكروب مرة أخرى فإن الكريات تتجه نحو الميكروب المعتدي للفتك به. [email protected]