لا ينتهي جوسيب غوارديولا من تغيير الخطط وتبديل مراكز اللاعبين وابتكار أدوار جديدة لآخرين في بايرن ميونيخ، بنجاح منقطع النظير. «بيب» في النادي البافاري ماض في الرد على بعض من شكك بقدراته مع برشلونة، مثبتاً أنه مدرب من فئة العمالقة بالتأكيد، الأنظار كانت مسلطة هذا الأسبوع مرتين على ملعب «أليانز أرينا» حيث حل بوروسيا دورتموند ضيفاً على بايرن ميونيخ في قمة الجولة ال10 من الدوري الألماني، ثم استضاف روما الإيطالي أول من أمس في المرحلة الرابعة لدوري أبطال أوروبا، لكن العبقري الإسباني عمل مع ماكيناته، فتمكن من الفوز بالمباراتين على غريمه الألماني (2-1)، ثم جدد فوزه على الفريق الإيطالي بهدفين نظيفين، بعدما قلم أظافره في إيطاليا بسباعية في مقابل هدف. جوسيب غوارديولا سرق الأضواء منذ حضوره إلى ميونيخ، إذ صار عملاق بافارياوربان سفينة فريقها المدلل. ماذا تصنع يا «بيب»؟ هذا السؤال الذي بات يكبر مباراة تلو أخرى، نظراً إلى ما يقدمه هذا المدرب الفذ والعبقري حالياً، والذي لا يمكن إلا التوقف عنده. يكفي هنا نموذج المباريات الأخيرة لبايرن للاستدلال على ذلك، فقد قدّم غوارديولا آخر ابتكاراته التي فاجأت المتابعين في الملعب والمشاهدين على الشاشة: «المهاجم ليفاندوفسكي صانع ألعاب نعم، فمن تابع المباراة أمكنه مشاهدة البولندي في كثير من اللقطات وهو يقود الهجمة من منتصف الملعب ويصنع اللعب، وهذا ما لم نألفه سابقاً مع هذا اللاعب في مسيرته، إذ إن مهمته واضحة، وهي اقتناص الأهداف في داخل منطقة الخصم». ليفاندوفسكي بالنسخة البافارية، أمام هامبورغ تحديداً في مسابقة الكأس، تحوّل إلى لاعب لامركزي، يجيد تبادل الأدوار مع الجناحين توماس مولر والفرنسي فرانك ريبيري، وهذا ما أربك دفاع أصحاب الأرض تماماً، وجعل منطقتهم مستباحة بالكامل من البافاري، ولولا تألق الحارس التشيخي ياروسلاف دروبني، لكانت سباعية جديدة أكيدة في الانتظار. الابتكار الثاني هو اعتماده على ظهيرين في خط الوسط دفعة واحدة، هما فيليب لام والنمسوي دافيد ألابا، وذلك حلّاً لمشكلة الغيابات، التي عصفت بشاغلي هذا الخط الكثر (باستيان شفاينشتايغر والإسبانيين تياغو ألكانتارا وخافي مارتينيز) بعد رحيل طوني كروس، الذي تمكن أيضاً من تعويضه بضربة معلم عبر التعاقد مع مواطنه تشابي ألونسو، الذي يقدّم أداءً لافتاً بقميص البافاري. وجود لام وألابا في المنتصف زاد سرعة الأداء البافاري السريع أصلاً، إلى حد بات لا يحتمله الخصوم، وأدى إلى نشوء جبهة على الجهة اليسرى، شكل فيها ألابا والظهير الإسباني، الذي يصح وصفه ب«اكتشاف الموسم»، الإسباني خوان برنات، وريبيري مثلثاً مرعباً. إذاً، بعد لام في مركز لاعب الارتكاز خلف خط الوسط في الموسم الماضي، ها هو ألابا ينضم إليه ليشكلا ثلاثياً مع ألونسو هذا الموسم. ما يفترض التوقف عنده في غوارديولا هو قدرته الفائقة على التعامل مع الكمّ الهائل من النجوم في بايرن الذي يملك، من دون مبالغة، فريقين بالمستوى نفسه، والأهم توظيفهم بحسب مقتضيات كل مباراة من دون أن يظهر أي تبدّل في شخصية الفريق أو فوارق بين مباراة وأخرى، وهذه مسألة غير سهلة على الإطلاق وتعكس مدى كفاءة المدرب الذي يجيدها. هذا التفنّن الخططي لغوارديولا حالياً، بات يزيد الخوف في نفوس الخصوم، إذ إن الحيرة أضحت تتملك مدربي هذه الفرق إزاء الخطة التي سيعتمدها الإسباني، وتالياً كيفية توظيفه لاعبيه في الملعب؛ وآخر الأمثلة على ذلك دور ليفاندوفسكي أمام هامبورغ. ما هو واضح أن غوارديولا مع بايرن يثبت مباراة تلو أخرى أنه من فئة المدربين العمالقة الذين مرّوا على كرة القدم، على النقيض تماماً للصورة التي رسمها البعض له في برشلونة عبر الأصوات المجحفة التي كانت تشكك في قدراته وتُحيل شهرته التي صنعها هناك إلى كوكبة نجوم «البرشا»؛ وفي مقدمهم الأرجنتيني ليونيل ميسي. ففضلاً على افتقاد برشلونة الواضح له، فإن التجربة مع بايرن أثبتت، وماتزال، أن غوارديولا ليس إلا لاعب شطرنج ماهراً يبرع في تحريك أحجاره بالطريقة التي يشاء، والأهم أنه، بشخصيته الفذة وقدرته على التعامل مع النجوم، قادر على إجلاس أي منهم على مقعد البدلاء من دون أن يخرج أحدهم ليحتج متذمراً.