بحلول الذكرى الثامنة على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001 تزداد الضغوط على الرئيس الأميركي باراك أوباما ليتخذ الخطوات العملية الضرورية لمكافحة ما سماه ب «التطرف العنيف» مستبدلاً به تعبير «الحرب على الإرهاب» الذي تبناه سلفه جورج دبليو بوش جاعلاً من حرب العراق محطته الأولى للانتقام من إرهاب 9/11. ربما الواجهة الأوضح في الخلافات الأميركية – الأميركية هي معركة أفغانستان التي يطلق عليها لقب «حرب أوباما» حيث يعتقد الرئيس الجديد ان القضاء على وكر «التطرف العنفي» يجب أن ينطلق من هناك. لكن معارك شبكة «القاعدة» وأمثالها، وكذلك معارك قوى التطرف الأخرى في المنطقة الإسلامية والعربية الساعية وراء السلطة، وأيضاً معارك توسع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطى، كلها معارك تتطلب يقظة إدارة باراك أوباما لتقرر ما هي حقاً استراتيجيتها المتكاملة بين الشقين: احتضان التحاور ك «جزرة» وحجب فكرة «العصا» من تقدير معنى رسائلها المائعة في نظر قوى الاعتدال. فالنافذة بدأت تنغلق في أكثر من مسألة وذلك بسبب التباطؤ هنا والتردد هناك، كما يحدث في الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي الخلاف بين العراق وسورية، وفي التطورات على الساحة اللبنانية، وحيث وكر «التطرف العنفي» يتلاقى مع المعارك الإقليمية بالوكالة في اليمن بدور إيراني بامتياز. فحلفاء التطرف هم «شركاء غريبون في السرير نفسه»، إذ انهم أساساً أعداء – والكلام هو عن التطرف الإسلامي العنيف والتطرف اليهودي العنيف والمتمثل ليس فقط بالمستوطنين، بل بحكومة نتانياهو التي يدافع عنها التطرف المسيحي الأميركي بدوره. الكلام عن تلاقي التطرف الإسرائيلي مع التطرف الإيراني في استخدام التطرف العربي – كل لغاياته المدروسة. انما ما بدأ بإرهاب 9/11/2001 وما هو ساري المفعول الآن يبقى الآتي: ان العرب أولاً وأخيراً – وليس المسلمون بعامة – هم الذين دفعوا ويدفعون وسيدفعون الثمن الأغلى ل 9/11. ولذلك، حان للقاعدة الشعبية العربية أن تفكّر ملياً بما إذا كانت راغبة ان تدفع لأجيال ثمن ذلك العمل الارهابي الذي ارتكبه رجالها ويمضي به رجال التطرف العنفي باسم الانتقام من أميركا، أو إن كانت ستقف في وجه من يستخدمون العرب لارتهان أجيالهم المقبلة بشعارات ملفقة وهم في واقع الأمر حلفاء الأمر الواقع مع أعداء العرب. كذلك، حان الوقت للقاعدة الشعبية الأميركية لتكف عن دفن رؤوسها في الرمال متظاهرة بالعدل بينما تتحالف مع قوى التطرف الإسرائيلي التي تتبنى العنف سياسة فاضحة وتنتهك القانون الدولي بانتظام. حان للرأي العام الأميركي أن يستوعب ان إلحاق الهزيمة بالإرهاب الجهادي أو بالعنف المتطرف أو بالتطرف العنفي يتطلب الجرأة على المعالجة الجذرية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على السواء. وذلك ليس نزولاً عند الحملة الإسرائيلية التي يسوقها متطرفون يهود أميركيون وتزعم ان المشكلة ليست في الاستيطان الإسرائيلي وإنما في ما يسمونه «الإرهاب الفلسطيني»، بل لأن الحل العادل للمأساة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين يسحب البساط من تحت أقدام التطرف العنفي أو الإرهاب الذي أصاب وسيصيب أميركا مجدداً إذا بقيت مستلقية إما في جهلها أو في انحيازها الأعمى لإسرائيل. فالذكرى الثامنة ل 9/11 يجب أن تكون مناسبة لمراجعة الذات والتدقيق في الخيارات المتاحة لكبح جماح العنف والتطرف بكل أنواعه ولا بد من أن تكون إدارة باراك أوباما في طليعة من يراجع النفس والسياسات كي تتمكن من القيادة الكفية داخل الولاياتالمتحدة ومن تشجيع الاعتدال العربي والإسلامي بكفاءة بدلاً من الانصياع لقوى التطرف بلا محاسبة حرصاً على الحوار وتجنباً لأية مواجهة. لنأخذ لبنان على سبيل المثال حيث تمر التجربة الديموقراطية بعد الانتخابات الاخيرة بمخاض عسير لأسباب محلية وإقليمية ودولية، وحيث تتعرض قوى الاعتدال لتقويض مدروس على أيدي قوى الممانعة وقوى التطرف بمساهمة من السياسة الأميركية التي تفتقد الصرامة والاستمرارية وربما أيضاً الكفاءة. فقد مضت سبعون يوماً على محاولة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تشكيل حكومة وفاق وطني تشارك فيها المعارضة التي يقودها «حزب الله». وعلى رغم خسارة المعارضة الانتخابات، لقد سعت الأكثرية ورئيس الحكومة المكلف وراء تشكيل الحكومة بما يرضي الأقلية المعارضة بمختلف الطرق بما في ذلك تنازل الأكثرية عن حقها بثلثي الوزراء، لكن المعارضة عقدت العزم على التعطيل وشلّ القدرة على تشكيل الحكومة عبر المطالب المستحيلة التي نصبتها والمتمثلة في الجنرال ميشال عون الذي أصر على إبقاء صهره الراسب في الانتخابات وزيراً للاتصالات. وفي نهاية المطاف، أثبتت المعارضة انها تريد إلغاء نتيجة الانتخابات البرلمانية من خلال خلق فراغ دائم ناتج من عدم تشكيل الحكومة. فقد سبق لها أن خلقت فراغاً في رئاسة الجمهورية وخلقت فراغاً في مجلس النواب، وها هي تخلق فراغاً حكومياً وتهدد بعواقب إذا لم تتم تلبية مطالبها التعجيزية. رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اتخذ خطوة جريئة هذا الأسبوع عندما قدم الى الرئيس ميشال سليمان تشكيلة حكومية تعطي المعارضة 10 وزراء مقابل 15 وزيراً للأكثرية و5 وزراء لرئيس الجمهورية. الخطوة الجريئة والضرورية اللاحقة يجب أن تأتي الأسبوع المقبل بعدما «يعتذر» الرئيس المكلف عن تشكيل الحكومة ثم يطلب رئيس الجمهورية، إما من سعد الحريري أو ممن تتفق عليه الأكثرية، ان يشكل الحكومة. عندئذ، تكون الفرصة الضرورية لخطوة جريئة ومصيرية، أي تشكيل حكومة تكنوقراطية تضم جميع الطوائف والمذاهب انما من دون توزيع الحقائب على أساس الاقتسام الطائفي. رئيس الجمهورية بدوره مطالب بالجرأة على اتخاذ الخطوات الضرورية لمنع الفراغ الحكومي، ليس فقط لأن تردده في لعب دوره يؤدي عملياً الى إنهاء عهده بتحوله من «رئيس توافقي» الى «رئيس إرضائي» يذعن لمعارضة تعتدي على نتائج انتخابات ديموقراطية وعلى الحق الدستوري لرئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة... وانما أيضاً لأن أي تراخ في هذا الأمر يعني السماح ل «حزب الله» باقتناص سيادة الدولة على الصعيد المدني بعدما أمعن في اقتناص سيادة الدولة على الصعيد العسكري بإصراره على عدم التخلي عن سلاحه واستخدامه لغاياته السلطوية ومشروعه القائم على ايديولوجية رفضها الناخب اللبناني. لهذه الأسباب يجب على إدارة أوباما ان تدرك معنى عدم الاكتراث بما يحدث في لبنان. عليها أن تفهم ان سياساتها نحو كل من إيران وسورية – اللاعبين الإقليميين الأساسيين الداعمين للمعارضة – هي التي تساهم جذرياً في استقواء قوى الممانعة على قوى الاعتدال وفي ضرب الديموقراطية في لبنان وفي احتمال تحويله أكثر فأكثر ساحة لإيران وللميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية والفصائل الفلسطينية المعارضة ولقوى «التطرف العنفي» بمختلف أشكاله. فغرام إدارة باراك أوباما بالتحاور وغض نظرها عن التجاوزات حماية لهذا الحوار انما يشكلان ذخيرة لتمادي ايران وسورية في تعطيل الحكم الشرعي في لبنان عبر حلفائهما في المعارضة وشروطها التعجيزية. فاللاعبون المحليون في المعارضة لن يرضوا بأي شيء لأنهم يريدون الفراغ الذي يخدم ليس فقط مصالحهم السلطوية وانما أيضاً مصالح إيران وسورية، وهما في مقايضات مع إدارة باراك أوباما حول سياسة الحوار واستحقاقاتها. انه، واقعياً ارتهان العملية الديموقراطية التي جرت في لبنان للحوار السوري – الإيراني – الأميركي، كأمر واقع. وهذا ما يجب على إدارة باراك أوباما تداركه والإسراع في تصحيحه قبل فوات الأوان. فرسائلها التوفيقية يتم استغلالها الى أقصى الحدود فيما هي تتباطأ وكأن شراء الوقت لمصلحتها، بينما شراء الوقت يخدم فقط صفوف الممانعة والتطرف على حساب الاعتدال الذي تزعم إدارة أوباما انها تسانده. ولبنان ليس المحطة الوحيدة في هذه المسيرة الخاطئة، بل أيضاً العراق وفلسطين. فعندما شكا رئيس الحكومة العراقية من سورية وطالبها بتسليم المتهمين بتفجيرات بغداد، جاء الموقف الأميركي وكأنه يعطي الضوء الأخضر للتمادي السوري، إذ دعا الى الحوار بين البلدين واكتفى في مجلس الأمن بتوزيع رسالة المالكي - بصفة الولاياتالمتحدة رئيساً للمجلس هذا الشهر - على الأعضاء، بتجنب تام لأي دعم للتحقيق الذي طلبه المالكي أو لإنشاء محكمة دولية تعاقب المتورطين. وحتى عندما سلمت دولة الإمارات رسالة تضمنت معلومات عن إيقافها حمولة أسلحة من كوريا الشمالية الى ايران، تفادت السفيرة سوزان رايس وصف ذلك بأنه انتهاك لقرارات المجلس حرصاً على الحوار مع إيران والذي بدوره يهدف الى تجنب تشديد العقوبات عليها إذا استمرت في رفض الامتثال لمطالب تجميد تخصيب اليورانيوم. إيران تتدخل في العراق بهدف الامعان في الهيمنة عليه. وسورية تتدخل في العراق في ما يشبه توزيع أدوار بينها وبين إيران ضمن معطيات العلاقة التحالفية بينهما. كلاهما يتدخل في لبنان. وكلاهما يستغل المرونة الأميركية ليتصلب أكثر توظيفاً للنافذة المتاحة. وكلاهما مستمر في تعطيل جهود السلطة الفلسطينية باعتبارها في صفوف الاعتدال المرفوض من قوى الممانعة التي تضم ليس فقط سورية وإيران وانما إسرائيل أيضاً. فالحكومة الإسرائيلية بدورها تستفيد من تباطؤ إدارة أوباما وترددها وأخطائها، ولذلك تزداد تصلباً في مواقفها من الاستيطان وكأنها على كامل الثقة بأنها لن تُحاسب. انها على كامل الثقة بأن لا الإدارة الأميركية ولا الكونغرس الأميركي ولا الشعب الأميركي سيتجرأ على تحديها الى صنع السلام ولا حتى الى وقف الاستيطان الذي يتنافى أساساً مع القانون الدولي. فقد نجحت في شراء الوقت – سبعة شهور كاملة منذ زخم الانطلاقة الجديدة للرئيس باراك أوباما – وها هي تراهن على تدريجية سخيفة تأمل أن يسوّقها دنيس روس، الذي يقال الآن إنه بات لولب السياسة الأميركية نحو كامل منطقة الشرق الأوسط في عهد أوباما... التدريجية في تجنب قيام دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل. مثل هذا التطرف في المواقف الإسرائيلية امام إعفاء أميركي كامل من المحاسبة، سيؤجج المزيد من التطرف في الساحتين العربية والإسلامية. وهكذا نعود الى الحلقة المفرغة: «أيهما أولاً؟». فيما تدفع الشعوب - الأميركية والعربية والمسلمة والإسرائيلية - ثمن شراكة التطرف العنيف الذي يمكن التعرض له لو كان هناك وعي وعزم وحزم حكومي وشعبي. وبالتأكيد ان حل الموضوع الفلسطيني - الإسرائيلي لن يؤدي وحده الى إنهاء الإرهاب، لكنه بالتأكيد سيساهم جذرياً في معالجة 50 في المئة منه. بقية المعركة بحد ذاتها ضخمة وخطيرة وهي تمتد الى السعودية واليمن، بعضها توحي به «القاعدة» وأمثالها، وبعضها يأتي بإيحاء وتعليمات من ايران، وبعضها تستفزه إسرائيل عملاً بسياسات مدروسة كي يبقى الإرهاب ملتصقاً بالعرب فيبرر مشروعها الاستيطاني والتوسعي. ولا تمانع إسرائيل في أن يتفشى الإرهاب والتطرف والعقل «الجهادي» والسلفية والعنف الطائفي في كامل الدول العربية، ذلك أن هذا يخدم مشاريع التقسيم والشرذمة ويمنع أي دولة عربية من القيادة على المستوى العالمي. والسعودية في طليعة القائمة لأنها في مجموعة العشرين ولأنها صاحبة المبادرة العربية للسلام ولأن هناك من يعتبر دورها رائداً في الشراكة مع الولاياتالمتحدة لمنع التطرف من الانتشار – ان كان تطرفاً عنيفاً أو دموياً أو ارهاباً. لكل هذه الأسباب، يجب أن تكون الذكرى الثامنة ل 9/11 مناسبة للتدقيق الضروري في وسائل استدراك السياسات الخاطئة وللتفكير العميق في معنى المضي بالأمور كما هي عليه وعواقبها. وهذا ينطبق على جميع المعنيين، عرباً كانوا أم أميركيين.