من يفهم شخصية جوزيف بلاتر جيداً، لن يجد صعوبة في تفسير تصريحاته التي يغلفها التناقض بين حين وآخر. تصريحه الأخير حول تأثير النفوذ السياسي في اتخاذ «فيفا» قراره بمنح قطر تنظيم كأس العالم 2022، ليس لغزاً لمن يفهم الرجل، فلا درجة حرارة صيف قطر ولا موعد البطولة صيفاً كان أم شتاء هو المغزى الحقيقي له. بلاتر كعادته يقول شيئاً ويرمي إلى آخر، وتصريحه الأخير هدفه الحقيقي بصريح العبارة هو: «انتخابات رئاسة فيفا 2015»! فالسيد الرئيس يهدف إلى أمرين: الأول توجيه ضربة قاضية لمنافسه المحتمل على كرسي الرئاسة ميشيل بلاتيني، والثاني الحصول على راع رسمي لحملته الانتخابية معنوياً ومادياً وهي قطر! وأتعجب من هذا القدر الكبير من التناقض الذي تحمله شخصية بلاتر. يتعامل مع المبادئ كمن يجلس على طاولة يلعب بالكروت، يستخدم منها ما يشاء وقت ما شاء، ويتغاضى عن بعضها حينما يريد، وأتعجب أكثر من عالمنا الذي لا يبدي اعتراضاً أو اكتراثاً ليقول له: «عيب عليك يا رجل»، فالمبادئ وطاولة اللعب لا تجتمعان. منذ أن سمعنا عن تنظيم كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، ونحن نعرف ونرى ونلمس ما يسميه بلاتر النفوذ السياسي في عملية إسناد التنظيم لهذه الدولة أو تلك، فما الذي جد اليوم ليفتح بلاتر هذا الملف المسكوت عنه. ألم يكن هناك استخدم للنفوذ السياسي و«الاقتصادي» في فوز ألمانيا بتنظيم مونديال 2006؟ ألم يدفع هذا «النفوذ» تشارلز ديمبسي رئيس اتحاد أوقيانيا السابق إلى الهرب ليلة التصويت لأنه وعلى حد قوله: «لم أعد أتحمل مزيداً من الضغوط»! وماذا عن حضور نيلسون مانديلا في زيوريخ ولقاءاته المنفردة بأعضاء اللجنة التنفيذية ل«فيفا» قبيل اختيار البلد المنظم لمونديال 2010، وبعد حملة ديبلوماسية مكثفة قام بها مع حكومات الدول التي ينتمون إليها؟ أليس هذا استخدام للنفوذ السياسي والعلاقات الدولية؟ وماذا عن اقتراع المدينة المنظمة لأولمبياد 2020، والدور الذي لعبته حكومات تركيا وإسبانيا واليابان في سعيها للفوز بالتنظيم، وحضور رؤوس الهرم السياسي في هذه الدول في بيونس آيرس؟ أليس هذا إقحاماً صريحاً للنفوذ السياسي؟ وقبلها بأربعة أعوام عندما توجه أوباما إلى كوبنهاغن لدعم الملف الأميركي في الاقتراع الذي تم هناك لاختيار المدينة المنظمة لأولمبياد 2016 الذي فازت به ريو دي جانيرو.. فماذا نسمي هذا؟ رئيس أميركا ذهب ليتزلج على جليد دول اسكندنافيا! أعود إلى عشاء الإليزيه الذي جمع الشيخ حمد بن خليفة وساركوزي وبلاتيني قبل أسابيع من تصويت 2 ديسمبر 2010 لاختيار البلدين المنظمين لمونديالي 2018 و2022، والذي يلمح إليه بلاتر كنموذج لاستغلال النفوذ السياسي في التصويت لصالح ملف قطر 2022، فأجد أنه من الطبيعي جداً أن تطلب قطر من فرنسا دعم ملفها، وما فعله حمد بن خليفة فعله بوتين أيضاً، ونفس الشيء قام به ديفيد كاميرون وكل حكومات البلدان التي تقدمت لاستضافة البطولتين من دون استثناء، مستخدمة العلاقات الدولية والديبلوماسية والمصالح الاقتصادية.. وأليست علاقات الدول قائمة على المصالح قبل كل شيء؟ بلاتر البريء راعي إمبراطورية «فيفا» هو وحده «يا عيني» الذي لم يكن يدري بما يدور حوله، ولم يسمع من قبل عن تدخل النفوذ السياسي في عمل وقرارات إمبراطوريته التي يديرها بحزمة من المبادئ والأخلاقيات! بالطبع هو ذاته، وهو من عرف ومارس واستفاد، وإذا أراد أن ينظم اقتراعاً واحداً لا يتأثر بما يسميه «النفوذ السياسي»، فعليه أن ينظمه في المريخ ويريحنا! إيه يا «ريس».. أنسيت كيف أحضروك رئيساً ل«فيفا» العام 1998؟ «إن كنت ناسي.. أفكرك»! [email protected]