مع تسلم الجيش اللبناني عصر امس، من «حزب الله» وحركة «أمل» امن ضاحية بيروت الجنوبية وسط ترحيب سكان هذه المنطقة به وبالجهازين الأمنيين الرسميين المرافقين: قوى الأمن الداخلي والأمن العام، فإن الصورة تفترض احتمالين متناقضين، إما أن ثالوث «الجيش والشعب والمقاومة» اصبح واقعاً متجذراً ولو كان بعيداً آلاف الكيلومترات عن الحدود مع العدو، وإما أن الصورة أثبتت فشل تحقيق هذا التكامل. في الثالثة بعد الظهر، تحركت المجموعة الأمنية المفرزة للضاحية الجنوبية والمؤلفة من 1100 عنصر من الأجهزة الثلاثة ليتسلم الجيش أو يقيم 14 حاجزاً عند المداخل الرئيسة للضاحية الجنوبية، فيما تتسلم قوى الأمن الداخلي او تقيم 36 حاجزاً عند المداخل الفرعية للضاحية ويتسلم الأمن العام او يقيم 8 حواجز عند المداخل الفرعية أيضاً. السكان الذين رافقوا هذا التبديل في تسلم امنهم بعدما طعنهم الإرهاب المتفجر خلال الشهرين الماضيين في عقر «مربعات امنية» يفترض انها آمنة (متفجرتا بئر العبد والرويس)، لم تنقسم آراؤهم في شأن الترحيب بالجيش، على خلفية ان امنهم يبقى في عهدة مؤسسة امنية مسؤولة كانت انقسمت منذ تولي «حزب الله» وحركة «امل» تفتيش الناس ومعرفة الجهة التي يقصدونها في احياء الضاحية وأخذ ارقام سياراتهم وهواتفهم وتوقيف الناس واحتجازهم والتحقيق معهم. على مدى اسابيع خمسة، اي منذ الانفجار الدموي الثاني الذي هز منطقة الرويس وانتشار حواجز الطرفين الحزبيين عند مداخل محددة بعدما اغلقا اخرى بقطع اسمنتية ضخمة او أكوام من الرمال لحصر العبور بنقاط محددة، تنامت في احياء الضاحية مشاعر مزدوجة من ارتياح مشوب بالنقمة. قالت ميرنا الموظفة في منطقة مار مخايل التي تقطن في محلة الكفاءات انها باتت تحتاج الى نحو ساعة للانتقال من منزلها الى مقر عملها بسبب الحواجز التي تعبر عليها بعدما كان الأمر لا يحتاج الى اكثر من ربع ساعة. وشكت من قلة احتراف من كانوا على الحواجز، واصفة اياهم بأنهم «أولاد»، مقارنة بعناصر الجيش اللبناني. ميرنا التي انتظرت وصول الجيش الى مار مخايل النقطة الأولى في انتشاره حيث يوجد حاجز رئيسي ل «حزب الله»، أسفت لأن شقيقها لم يتمكن من رؤية هذا المشهد اذ «هو يعمل في المملكة العربية السعودية وحين وصل الى لبنان في اجازة قبل اسبوع تجنب الدخول الى الضاحية وأمضى ايام اجازته في بيروت ومثله فعل رفاقها من بيروت الذين امتنعوا عن زيارتها لأن «المطلوب منهم التعريف عن سياراتهم وإعطاء ارقام هواتفهم، او لمجرد ان ل «حزب الله» حواجز في الضاحية». شارع معوض التجاري الذي اقام الحزب عند مداخله حاجزاً لتفتيش السيارات والتحقق من اصحابها، اكتفى الشاب الذي يتولى التفتيش عليه بالقول انه «لم يعط امراً بإخلاء الحاجز لكن حين يصل الجيش نسلمه الأمن». على يمين الشاب وقفت شاحنة كبيرة تنتظر التفتيش وخلفها طابور من السيارات ينتظر وعلى جهاز الإرسال مناشدات متكررة من قبل شبان الحاجز الذين وقفوا جانباً لزميل لهم لأن يرسل جهاز الكشف لكنه «ليس على السمع». قال رجل خمسيني من اصحاب المحال التجارية القريبة والتي تأثرت اقتصادياً بسبب ما يجري: «شبان غير محترفين، ليس لديهم الا جهاز تفتيش واحد ينقلونه من حاجز الى آخر وكلما احتاجوه ينادون الشخص المتولي نقله على الدراجة النارية وكل السيارات الأخرى عليها ان تنتظر». ويتندر «ابو علي» بحادثة حصلت مع جاره «ابو احمد» على حاجز لحركة «امل» في الشياح: «هؤلاء لا اجهزة كشف للمتفجرات لديهم لأنها مكلفة، جاؤوا بكلب صيد لكنه «اجلك جعاري» وعندما فتشوا سيارته كان اشترى لتوه كيلو لحم لأخذه الى المنزل فإذا بالكلب ينهشه ويهرب به». «ابو موسى» لا يريد الإكثار من الكلام مع ان «القلوب مليانة» كما قال خشية التعرض له «ما فينا نحكي حتى ما ناكل قتلة». مع ذلك وصف ما يجري على الحاجز بأنه «قمة التعاسة، وهؤلاء الأولاد على الحواجز يتقاضون مالاً وأمورهم ميسرة ولا تفرق معهم أوضاع الآخرين». هو جلس على كرسي امام محله وإلى جانبه آخرون ممن تضررت اشغالهم، يراقبون العابرين ويتبادلون اطراف الحديث: «الحق علينا نرى الخطأ ونركض وراءه»، ويقول آخر: «ليت القوة 17 تعود الى الضاحية كنا نستفيد اكثر»، في إشارة الى الأمن الفلسطيني في فترة الحرب الأهلية في لبنان. ويضيف ثالث: «هؤلاء يفزعون على انفسهم ألن يخافوا من الآخرين، لكن بكل تأكيد الجيش احسن». ويرد الأول: «من كل عقلك سينسحب الحزب ويعطي الأمن الى الجيش، بكرا يلقحونه». ويشرح: «غداً امام كل حاجز للجيش يقف عنصر من الحزب ويقول لمسؤول الحاجز هذا اوقفه وهذا «الحاج احمد» من جماعتنا لا توقفه». لكن «رنا» المحجبة وهي موظفة في محل للأحذية الرجالية و»علي» وهو يدير محلاً للملبوسات النسائية تختلف آراؤهما عن «حزب الله» وحواجزه. قالت رنا: «الشغل توقف بسبب الوضع العام وليس الحواجز، ثم إني اشعر بالطمأنينة بوجود الحواجز، وهم يعرفون عني كل شيء، حتى انهم يعرفون كم أتقاضى، اما الوصول الى العمل فصار يتطلب مني الخروج ابكر بنصف ساعة وأنا من سكان الضاحية ولا توجد مشكلة، والجيش جيشنا». ومع ذلك تشير رنا الى ان 9 محال قررت الإقفال في شارع معوض نهاية الشهر. أما «علي» فيؤكد «ان حزب الله أعطانا الطمأنينة وتراجع عدد الزبائن مرده ان أيلول شهر المدارس والمونة». ورحب بالجيش «لأنه يثبت الثالوث الجيش والشعب والمقاومة». عند حواجز حركة «امل» الكلام عن تسليم الجيش لا تشوبه محاذير، قال احدهم: «كل ما ترينه للحركة سنزيله ونفسح المجال للجيش وأهلاً وسهلاً به». اما الرايات الكثيرة البراقة بألوان الحركة والمرفوعة حديثاً فقال عنها انها «قديمة ولا تضر احداً». لكن الحديث الى الذين يتولون حاجز الحزب يشوبه التكتم او عدم المعرفة بالخطوة الثانية لأنهم لم يتلقوا الأوامر بعد. عند حاجز ثبّت بموازاة مدافن روضة الشهيدين قال شاب يتولى تفتيش السيارات «ان هذا الحاجز باق ولا علاقة للجيش به. له مداخل الضاحية الخارجية ولنا الداخل». ويتحدث عن مواصلة توقيف سوريين لمعرفة ما اذا كانوا من «النصرة». وحين نسأله كيف تعرف انهم من «النصرة» قال: «من الصور على هواتفهم الخليوية واليوم أوقفت اثنين وسلمتهما للحزب وليس للدولة، وهو يتصرف». في محلة الغبيرة، هناك حواجز لما سماها احدهم «لجان شعبية»، علماً ان على العائق الموضوع امام الحاجز رقماً تسلسلياً متبعاً عند حواجز «حزب الله»، قال: «نحن نسكن في المحلة وعلينا ان نحافظ على امنها ولا مزيد من الأسئلة». في احد كاراجات تصليح السيارات الكثيرة في هذه المنطقة، جلس نزار مع مساعده يتناولان الغداء. قال: «ان يأتي الجيش وأن تذهب حواجز الحزب لا مشكلة طالما ان الأمان متوافر، عملنا تأثر كثيراً اذ بات الزبائن يخافون الدخول الى الضاحية. لكن وجود الجيش في الضاحية يبيض صفحتها امام الرأي العام». تنسيق وتعليم للاطارات التنسيق بين الأجهزة الأمنية الرسمية تتولاه غرفة عمليات مشتركة، على ان تتم الاستعانة بعناصر شرطة البلديات الخمسة في الضاحية وهي: بلديات الغبيرة والشياح - عين الرمانة والمريجة وحارة حريك وبرج البراجنة. وكان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل اكد «ان مهمة الأجهزة الأساس ضبط الدخول والخروج من الضاحية وإليها». ونفى في أحاديث اخرى «مشاركة حزب الله في اختيار عناصر القوى التي ستنفذ الخطة وحزب الله لا يمون على الجيش وقوى الأمن». وكان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان رحب «بدخول القوى الأمنية الى الضاحية الجنوبية»، لكن بعض سكان الضاحية لا يعتبر أن خطوة امس، هي «عودة الضاحية إلى كنف الدولة، عناصر قوى الأمن والجيش موجودون هنا كل يوم». الكاميرات التقطت امس، انتقال بعض «الأمن الذاتي» الى الدولة، لكن تبقى الطرق الفرعية المؤدية الى الضاحية مغلقة أمام السيارات العابرة بالعوائق وأكوام الرمال، كما أوضح مصدر امني ل «الحياة»، وسيارات القاطنين المعروفة من قبل «حزب الله» جرى تعليم اطاراتها باشارة فضية لتمييز الغريب منها عن الاحياء.